أقول: منهج النبي صلى الله عليه وسلم هو خلاصة عملية تطبيقية عجيبة فريدة لتلك العقيدة، ولقد تمثل ذلك في عدد من القضايا، ومن ثمَّ فإنني أشير إلى بعض منها، فأقول: أولاً: فيما يتعلق بمنهج الرسول صلى الله عليه وسلم: كانت دعوته عليه الصلاة والسلام امتداداً لدعوة الأنبياء من قبله عليهم جميعاً أفضل الصلاة وأتم التسليم، فمنهج الأنبياء جميعاً واحد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يختلف منهجه عن منهج من سبقه، ولقد كان عليه الصلاة والسلام يضرب دائماً الأمثال لأصحابه مما وقع للأنبياء من قبله؛ بل ومما وقع لأتباع الأنبياء من قبله، وكل ذلك لبيان ارتباط تلك السلسلة العظيمة بين الأنبياء عليهم الصلاة والسلام التي ابتدأت بآدم عليه السلام إلى محمد بن عبد الله صلى الله عليهم أجمعين، وهذه السلسلة العظيمة هي سلسلة ذات منهج واحد واضح، ورسول الله صلى الله عليه وسلم صدق هذا.
ثانياً: لدينا جوانب تفصيلية من حياة هذا النبي الكريم يمكن أن نقف عندها وقفات قد تكون أكثر تفصيلاً من وقفاتنا مع الأنبياء الآخرين الذين وردت قصصهم في كتاب الله تبارك وتعالى، أو أشارت إليها سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا أقول: مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة عشر عاماً في مكة في تأسيس العقيدة، ولم يكن ذلك التأسيس نظرياً، وإنما كان عملياً قام على عدد من الأسس، وانتبهوا لهذه القضية! فكثير ممن يتدارسون منهج الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى يقولون: الرسول مكث ثلاثة عشر عاماً يؤسس العقيدة، ثم انتقل إلى المدينة ليطبق الجوانب العملية والتشريعية للأمة الإسلامية، فقد يظن الظان أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان في مكة ثلاثة عشر عاماً يربي ويعلمهم نظرياً، فنقول: لا، بل تلك الفترة المكية كانت فترة تأسيس العقيدة، وكان تأسيساً نظرياً وعملياً في آنٍ واحد لتلك العصبة المؤمنة، وتعالوا نحدد بعض الملامح من منهج الرسول صلى الله عليه وسلم في دعوته في مكة: