[الوعد القرآني للصحابة بدخول مكة آمنين وأين حل منهم]
وهناك نموذج آخر، ففي عام الحديبية منع المسلمون من دخول مكة، وكان الاتفاق وعقد الصلح، وكان من بنوده أن يرجع الرسول صلى الله عليه وسلم -وقد ساق الهدي- إلى بلده من عامه ذلك، وأن يعتمر هو وأصحابه في العام المقبل، واشترط المشركون شرطاً على المسلمين، هو أن يدخلوا مكة عزلاً من كل سلاح إلا السيوف في القرب، أي: في أغمادها.
فكيف يثق المسلمون بوفاء المشركين بعقدهم وقد بلوا منهم نقض العهود، وقطع الأرحام، وانتهاك شعائر الله، والصد عن سبيل الله، والصد عن المسجد الحرام؟ فهل سيصدقون في تمكينهم من الدخول إلى مكة لعمرة القضاء؟ ولو صدقوا في تمكينهم من الدخول فكيف يأمن المسلمون جانبهم إذا دخلوا ديارهم مجردين من دروعهم وقوتهم؟ ألا يمكن أن تكون هذه مكيدة يراد منها استدراجهم إلى الفخ، وعلامة هذه المكيدة اشتراط تجردهم من السلاح إلا السيوف في القرب وهو سلاح لا يصد الرمي بالسهام والنبال؟ أيها الأخ المسلم! إن المسلمين لم يخافوا من ذلك كله؛ لأن وعد الله الصادق قد جاء قبل ذلك بقول الله تعالى:{لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُونَ}[الفتح:٢٧].
فكان وعداً بثلاثة أمور: الدخول، والأمن، وقضاء الشعيرة، وقد تحقق ذلك كله لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأصحابه كما هو معلوم -والحديث في الصحيحين- ثقة بوعد الله وبنصره، وثقة بالقرآن، وثقة بالنبي محمد عليه الصلاة والسلام، وهكذا كانوا يعيشون مع القرآن ويحيون في ظل القرآن.