وهنا أيها الإخوة! وسعد تجول في خاطره هذه الأمور نطق بالحكم، وكان الحكم صارماً وقوياً وحازماً، واستمع الجميع إليه وهو يعلن حكماً يسطره التاريخ إلى يوم القيامة بين المسلمين واليهود قائلاً رضي الله عنه:(أحكم فيهم: أن تقتل المقاتلة، وأن تسبى النساء والذرية، وأن تقسم أموالهم)! لقد حكم بالإعدام على رجالات يهود بني قريظة، وحكم بالأسر والسبي والغنائم على نسائهم وجواريهم وأموالهم، ولما نطق سعد بهذا الحكم علق النبي صلى الله عليه وسلم عليه تعليقاً تهتز له الجبال الشامخات، وقال كما في صحيح البخاري -: (لقد حكمت فيهم يا سعد! بحكم الله من فوق سبع سماوات).
لقد وافق سعد في حكمه حكم الله تبارك وتعالى، ومع هول الحكم وشدته صمت الجميع، ولم يعترض عليه أحد حتى من اليهود أنفسهم، وأنى لهم الاعتراض في مثل هذه المواقف الرهيبة؟ وصدر الحكم، ولما صدر رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة لتنفيذ حكم الله في هؤلاء اليهود الخونة، وأمر بحفر خنادق عريضة لتدفن فيها جثثهم بعد إعدامهم، ولما حفرت الخنادق جلس النبي صلى الله عليه وسلم ومعه كبار الصحابة، ثم أمر بإحضار الرجال من بني قريظة المحكوم عليهم بالإعدام، وقد ميز المقاتلة من بينهم بإنبات الشعر، كما ثبت ذلك في الصحيح، وهنا أتي بهم دفعة دفعة، وكلما أعدمت وقتلت دفعة رمي بها في الخنادق، ثم وضعوا عليها التراب، وهكذا، وقد تم إعدام هؤلاء اليهود جميعاً في ليلة واحدة، وجرى الإعدام والقتل على ضوء مشاعل؛ لأنه كان في الليل كما في بعض الروايات.