فمن هو هذا الإمام الذي قال عن نفسه: تعلمت الكتابة والقرآن فما شعر بي أهلي ولا رئي في ثوبي مداد قط؟ إنه أبو العالية رفيع بن مهران الإمام المقرئ الحافظ المفسر أبو العالية الرياحي البصري أحد أعلام التابعين، أدرك زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يلتق به، وأسلم في خلافة أبي بكر الصديق ودخل عليه، وسمع من عدد من الصحابة، منهم عمر وعلي وأبي وأبو ذر وابن مسعود وابن عباس، وغيرهم كثير، وقرأ القرآن على أبي بن كعب وعلى ابن عباس، وقرأ القرآن أيضا على عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وما أحلى القرآن من خليفة المسلمين عمر بن الخطاب رضي الله عنه! روي عنه أنه قال: قرأت القرآن على عمر رضي الله عنه ثلاث مرار.
فيا للعجب؛ خليفة المسلمين مشغول بالفتوحات وبالأحوال الدقيقة لأمة الإسلام مغرباً ومشرقا ويقرأ عليه القرآن عبد مملوك ثلاث مرات! أيها الأخ في الله! هذا الإمام التابعي رفعه الله تبارك وتعالى بالقرآن كما رفعه بالعلم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
دخل مرة على عبد الله بن عباس وهو أمير البصرة لـ علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، فرحب به ورفع منزلة، وأجلسه على سريره عن يمينه، وكان في المجلس طائفة من سادة قريش، فتغامزوا به وتهامسوا بينهم، وقال بعضهم لبعض: أرأيتم كيف رفع ابن عباس هذا العبد على سرير؟! فأدرك ابن عباس ما يتغامزون به فالتفت إليهم وقال: إن العلم يزيد الشريف شرفاً.
رحمك الله يا ابن عباس.
نعم، إن العلم يزيد الشريف شرفا، ويرفع قدر أهله بين الناس، ويجلس المماليك على الأسرة، وقد رفع الله أبا العالية بالقرآن، حتى قال أبو بكر بن أبي داود: ليس أحد بعد الصحابة أعلم بالقرآن من أبي العالية، وبعده سعيد بن جبير.