كلنا نشكو من قسوة القلب، أسأل الله أن يلين قلوبنا بالإيمان والقرآن، والعلاج يحتاج إلى مجاهدة وصبر ومصابرة؛ فالدنيا سجن المؤمن كما قال الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فلابد من المجاهدة، لذلك لا تنتظر من واحد أن يعطيك كلمتين ثم إذا بقلبك يصبح قلباً منشرحاً مباشرة، لا، وقد يكون في الموعظة ما يشرح قلبك، لكن الأمر يحتاج إلى مجاهدة: فالشيطان الرجيم حريص على إغوائك والوسوسة لك بشتى أنواع الوساوس، نفسك الأمارة بالسوء بكل قواها وشهواتها، وشياطين الإنس من الأصدقاء والزملاء والجيران وغيرهم.
فأنت -والله- كأنك في معركة، فلذلك عليك بالمجاهدة، وهذه المجاهدة هي التي بها تزول قسوة القلب.
وأعظم ما يعينك على راحة النفس وطمأنينة القلب والبعد عن قسوته عشرة أمور ذكرها ابن القيم رحمه الله تعالى في مدارج السالكين، وعلى رأسها الإيمان والتوحيد والعقيدة الصحيحة والمحافظة على الصلاة ومجالسة الصالحين، فلا بد من أن تبحث لنفسك عن هذه الوسائل التي ترقق قلبك وتقوي إيمانك، مع البعد تماماً عن كل ما يقسي القلب.
فالذي أقوله: اصبر وصابر وأبشر يا أيها الشاب، ولا تحزن إذا رأيت الشباب المنفلت يمينا ًوشمالاً، فلا يغرنك ضحكهم وانخلاعهم، اصبر وصابر على طاعة الله وعبادة الله، أنت -والله- القوي، وأنت المنتصر، وأنت العزيز، وأنت الرابح، وهؤلاء الذين سلكوا تلك المسالك إن لم يتوبوا إلى الله فهم -والله- خاسرون، لذلك ينبغي لك أن تكون عندك عزيمة قوية وصبر ومصابرة على طاعة الله، واحرص كل الحرص على الأخوة الصادقة وعلى الإخوة الملتزمين؛ فإنهم يعينونك، وأصحاب الرسول -ومن هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في علمهم وإيمانهم وجهادهم- كانوا يشعرون بهذه الحاجة، كان الواحد منهم يلتقي بأخيه ويمسك به ويقول: تعال -يا أخي- اجلس بنا نؤمن ساعة.
مع أن هذا الصحابي لا يعرف لهواً ولا عبثاً، لا يعرف إلا الإيمان والقرآن والصلاة والجهاد، ومع ذلك يشعر بالحاجة إلى أخيه، ويقول: اجلس بنا نؤمن ساعة.
فكيف بنا نحن في هذا الزمان حيث كثرت الفتن وتنوعت؟! نحن أحوج ما نكون إلى الجلساء الطيبين الذين يعينوننا على طاعة الله، نعينهم ويعينوننا، واعلم -يا أيها الشاب- أنك إذا جلست مع أخيك وإخوانك الطيبين أنك تعينهم وهم يعينونك، فأنت بحاجة إليهم وهم أيضاً بحاجة إليك، فتكون مأجوراً على تلك المجالس والأخوة الطيبة.
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.