الأثر الثاني بالنسبة للفرد: تخلص العبد من العبودية لغير الله تعالى، وهذه هي الحرية الحقيقية، فالحرية الحقيقية أن تكون عبداً لله، وبضدها تتميز الأشياء.
فبعض الناس تعلق قلبه بغير الله، فصار عبداً لذلك الغير، بعضهم تعلق بالقبر أو بالولي فلان، وتعلق بعضهم ببرجه برج الثور أو العقرب أو غير ذلك، تعلق قلبه بغير الله سبحانه وتعالى فصار عبداً له يرجوه في جميع حاجاته ويخافه، أما الذي يتحرر من ذلك كله فهو من رضي بالله ربا وعبد الله وحده لا شريك له.
بعض الناس تعلق قلبه بالدنيا وشهواتها، يطاردها ليلاً ونهاراً، يحزن لأجلها ويفرح لأجلها، أحياناً لا ينام الليل، إما فرحاً بحصول شيء من الدنيا أو حزناً على فوات شيء من الدنيا، قال صلى الله عليه وسلم:(تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش)، تعبد لغير الله سبحانه وتعالى فوكله الله إلى ذلك، لكن من هو الحر الحقيقي؟ إنَّه الذي جعل الدنيا في يديه لكن ملأ قلبه بالإيمان بالله، فهو ما ترك الدنيا، لكن جعلها في يديه يستخدمها في طاعة الله تعالى، قيل للإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى: أيكون الإنسان عنده ألف دينار وهو زاهد؟ قال: نعم، قالوا: كيف ذلك يا إمام؟ قال: إذا زادت لا يفرح وإذا نقصت لا يحزن.
فالعبد المتعبد لله وحده لا شريك له يكون غنياً، ويكون ملكاً، ويكون ذا شرف، ويكون ذا مكانة، لكن هذه الأمور كلها يضعها في يديه، أما ما في قلبه فهو حب الله وطاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وبعضهم يتعلق قلبه بكل شيء؛ لأنه لا قلب له، في كل يوم له إله يعبده من دون الله تعالى، تتقلب به الدنيا هائمة، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يعافينا من حال أهل الحيرة والشكوك.
أيها الأخ في الله! ما هي الحرية الحقيقية؟ هي أن تكون عبداً للواحد القهار، ولهذا ذكر الله محمداً صلى الله عليه وسلم وهو رسوله المصطفى، وهو سيد الأولين والآخرين؛ ذكره ربه سبحانه وتعالى باسم العبد في أعظم المنازل، فقال تعالى:{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ}[الإسراء:١]، فانظر إلى منزلة الإسراء حين بلغ سدرة المنتهى صلى الله عليه وسلم، فمن الذي أسرى به ربه؟ ولما أنزل عليه هذا القرآن قال:{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا}[الكهف:١].
ولما تحدث عن مقام الدعوة إلى الله وهو أعظم المقامات قال:{وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا}[الجن:١٩].