والحج انسلاخ من عادات الجاهلية وما أحدثوه في الحج خاصة، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب مخالفة المشركين مع أنهم أهله وقومه وعشيرته وبلاده، ولكنه لم يكن متلوثاً بما تلوث به بعضنا في هذه الأيام من القوميات الجاهلية.
أحرم صلى الله عليه وسلم بالعمرة في أشهر الحج مخالفة للمشركين، ووقف مع الناس في عرفات مخالفة لقريش التي كانت تتكبر على الناس وتزعم أنها أهل الحرم، فكانوا لا يتجاوزون الحرم، ويقفون بالمزدلفة يوم عرفة، وأفاض من عرفات بعد الغروب خلافاً للمشركين، ليبين تميز أهل هذه الملة الحنيفية عن اليهود وعن النصارى وعن المشركين أيضاً.
أيها الأخ في الله! إن الحج مدرسة عقيدة، الأصل فيه الدين والتوحيد والصفاء لهذه العقيدة والسلامة والبعد عن الشرك بالله، ثم يأتي بعد ذلك ما هو من أعمال الخير كعمارة المسجد الحرام، ولقد عكس المشركون في مكة هذا الأمر، فكانوا ينشرون في بيت الله الحرام الشرك بالله والظلم لعباد الله المؤمنين، ثم يفتخرون بعمارة المسجد الحرام وبالسقاية والرفادة للحجاج، فقال الله تبارك وتعالى عن المشركين:{أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}[التوبة:١٩].