وهنا ننتقل إلى القضية الثانية، ألا وهي ختم النبوة بمحمد صلى الله عليه وسلم ومدلولاتها، والنصوص من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم قاطعة بذلك، والأدلة معروفة لا نعرض لها هنا، لكن ما مدلول ختم النبوة بمحمد صلى الله عليه وسلم؟ لها عدد من المدلولات نحب أن نقف عندها ونحن ندرس في هذه العقيدة.
أولها: عموم رسالته صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة، وهذه القضية قد تجد في عصرنا الحاضر من يجادل فيها، وما الدعوة إلى الحوار بين الأديان التي نجدها في السنوات الأخيرة، ونجد لها صدىً إعلامياً واسعاً أحياناً إلا رسم لهذه القضية الكبرى، وهي قضية ختم الرسالة بمحمد صلى الله عليه وسلم وعموم رسالته إلى الناس كافة.
ثانياً -وهي قضية كبرى أيضاً-: أن هذه الشريعة التي أتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم هي شريعة كاملة لا تحتاج إلى تكميل ولا إتمام، لا من شرائع سابقة ولو كانت تنتسب إلى الأنبياء ولا من مناهج شرقية أو غربية، وكمال الشريعة مقتضاه صلاحية هذا الدين الإسلامي للتطبيق في كل زمان ومكان، فأولئك الذين يتحدثون -مثلاً- هذه الأيام عن أن الإسلام تعداه الزمن، وأنه لا يمكن تطبيق الإسلام أولئك يطعنون في الإسلام، ويطعنون في ختم النبوة، ويطعنون في كمال شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، ومن ثم فإن الدعاة إلى منهاج السلف الصالح رحمهم الله تعالى في مشارق الأرض ومغاربها يجب أن تكون هذه عندهم قضية يقينية، يجب أن يدركوا إدراكاً تاماً أن مسألة كمال الشريعة وصلاحيتها للتطبيق هي قضية ربانية ثابتة لا تتغير أبداً، وعلى هذا: فيجب عليهم أن لا ييأسوا، ويجب عليهم أن لا يفتروا، وأن لا تخدعهم نظريات الغرب أو الشرق، ولا هجوم الغرب أو الشرق على الإسلام، ولا هجوم العلمانيين وغيرهم من داخل بلاد الإسلام على الإسلام؛ لأن من أخطر الأشياء على الداعية إلى الله سبحانه وتعالى الذي يحمل عقيدةً ومنهجاً أن تهتز قناعته بما يدعو إليه، ومن ثم فإن التصميم الجاد القوي لا يكون إلا من إنسان لديه القناعة التامة الكاملة بما يدعو إليه من منهاج، ونحن حينما نعرض لهذه القضية التي تتعلق بختم النبوة بمحمد صلى الله عليه وسلم إنما هو لبيان أنه لا خيار لنا بين شيئين: إما أن نتهم هذه الشريعة التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها ناقصة لا تصلح للتطبيق، ومن ثم فمدلول ختم النبوة بمحمد صلى الله عليه وسلم ما هو إلا مدلول نظري وليس عملياً.
وإما أن يكون رفضنا لهذه الشريعة بشكل مباشر، ونأخذ ممن جاء من الغرب أو الشرق أو غيرهما مناهجهم ولو ناقضت منهاج الإسلام، لهذا فإن ختم النبوة بمحمد صلى الله عليه وسلم له مدلول في كل وقت، وله مدلول عظيم في زماننا هذا، هذا المدلول يتلخص في أنه ليس هناك منهج يمكن أن نبحث عنه إلا أحد منهجين: إما منهج الإسلام الذي جاء به الرسول، وإما مناهج أخرى غربية أو شرقية، فلا خيار للتدليس ولا للتلبيس ولا للترقيع ولا لغير ذلك من المناهج، وعلى هذا فإن الشيء الذي تيقنا به كمال هذه الشريعة ودوامها إلى أن تقوم الساعة هو حفظ الله تبارك وتعالى لهذا القرآن العظيم وحفظه لسنة محمد صلى الله عليه وسلم، وهما وحي من الله، وهما مصدر التشريع في هذه الحياة، ولذا فإن منطلقنا ونحن ندعو إلى منهاج السلف الصالح رحمهم الله تعالى هو منطلق واضح ممتد، يكون على ذلك المنهاج السليم الذي طبقه سلفنا الصالح، وسار عليه من تبعهم إلى عصرنا هذا، والقافلة سائرة إلى أن تقوم الساعة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في أخباره عن الطائفة المنصورة أنها قائمة بأمر الله مجاهدة، (لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى).