للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الكتاب والسنة مصدر التلقي عند أهل السنة والجماعة]

أول قضية بدهية تقف معنا في هذا الباب هي أن مصدر التلقي عند أهل السنة والجماعة هو الكتاب والسنة، فكتاب الله تبارك وتعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم هما المصدران الأساسيان لهذه العقيدة، ولا يجوز لأي إنسان يدعي الإسلام ويدعي أنه مؤمن بهذا الدين أن يتخلى أو أن يتنقص هذين المصدرين بأي حال من الأحوال، وهذه قضية دلت عليها الأدلة الكثيرة، والله سبحانه وتعالى يقول في كتابه العزيز: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:٦٥]، ويقول سبحانه وتعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران:٧]، وهذا دليل على أن من اعتمد على الكتاب والسنة ولم يخرج عنهما فهو الذي سلك المنهج الحق، ولا خيار لأي إنسان أن يسلك أي منهج شاء، يقول سبحانه وتعالى: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ} [البقرة:٨٥]، وهذا في الذين يؤمنون ببعض الكتاب ويتركون بعضه.

أما من السنة فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة في هذا الباب تبين وجوب اتباع شرعه، وأنه عليه الصلاة والسلام آتاه الله القرآن ومثله معه، والرسول صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى.

فمسألة الاعتصام بالكتاب والسنة مسألة أساسية، وهي المصدر الأساسي لتلقي هذه العقيدة بأصولها وفروعها، والسلف رحمهم الله تعالى كانوا مسلمين بهذا تسليماً تاماً، ولما سئل الزهري رحمه الله تعالى عن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس منا من شق الجيوب) ما معناه؟ فقال الإمام الزهري رحمه الله تعالى كلمته المشهورة: من الله العلم، وعلى رسوله البلاغ، وعلينا التسليم.

فما جاء به كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فلا خيار لأحد أن يسلكه أو لا يسلكه، بل يجب عليه أن يسلكه، والله سبحانه وتعالى يقول في كتابه العزيز: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب:٣٦] فالخيرة ليست لأحد، وإنما هي لما جاء به كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن ثم فإن هذين المصدرين -الكتاب والسنة- هما اللذان سلكهما السلف الصالح رحمهما الله تعالى، وهما اللذان يجب أن نسلكهما إذا أردنا أن تعود لهذه الأمة الإسلامية حقيقة مجدها وعزها الذي عاشت فيه، والله سبحانه وتعالى تكفل بنصر دينه إذا نحن نصرناه، يقول تبارك وتعالى في كتابه العزيز: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ} [غافر:٥١]، {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم:٤٧]، ونصر الله سبحانه وتعالى إنما يتحقق إذا نصرنا دينه، ونصر دينه إنما يكون بالاعتصام بهذا الدين بكتاب الله وبسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.