[بعض دلائل النبوة التي وقعت للنبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك]
الوقفة الثانية: الآيات ودلائل النبوة التي وقعت في هذه الغزوة.
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في هذه الغزوة التي اشرأب فيها النفاق يؤيده الله سبحانه وتعالى بأنواع من المعجزات، ونذكر نماذج من ذلك: ففي بعض الأماكن وهم في سيرهم إلى تبوك أصبح المسلمون ولا ماء، فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه، فنشأت سحابة في الحال فأمطرت المسلمين حتى ارتووا، وكان ذلك آية من آيات صدق نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: (ستهب في هذه الليلة ريح، فلا يخرجن أحدكم إلا ومعه رفيق له)، فهبت تلك الريح في تلك الليلة، والتزم المسلمون بذلك الأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا اثنين منهم، حيث ذهب واحد منهم وحده ليقضي حاجته، فأصيب بالخنق وهو يقضي حاجته فدعا له الرسول صلى الله عليه وسلم فيما بعد فشفي.
وأما الثاني فحملته الريح إلى جبال طيء، ثم فداه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فدا الأسرى فيما بعد.
كذلك أيضاً من الآيات المعجزات أن النبي صلى الله عليه وسلم ضلت ناقته، وبحث الصحابة عنها فلم يجدوها، فتكلم المنافقون وقالوا: هذا رسول الله يزعم أنه يوحى إليه من السماء ولا يدري أين ناقته، فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم ذلك قال: (والله! إني بشر لا أعلم إلا ما يوحي الله إلي، وإن الله قد أوحى إلي الآن أن ناقتي في وادي كذا قد حبس خطامها في جذع شجرة)، فذهب الصحابة رضي الله عنهم إلى ذلك الوادي فوجدوها كما وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومنها أيضاً أن المسلمين أصبحوا ولا ماء عندهم، فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتوه بماء قليل، فوضع يده المباركة فيه فنبع الماء من بين يديه عليه الصلاة والسلام.
إنها آيات بينات، ومعجزات ودلائل تضيء لمن استجاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم الطريق خاصة في هذه الغزوة العظيمة التي بلغ فيها الجهد من المسلمين مبلغاً عظيماً، ولهذا كان من تلك الآيات البينات أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أرسل خالد بن الوليد إلى أكيدر صاحب دومة الجندل قال له الرسول: (إنك ستجد أكيدر يصيد البقر)، أي: بقر الوحش.
يقول أكيدر نفسه: فلما كان من الليل سمعت البقر- أي: بقر الوحش- تضرب بقرونها باب القصر.
تصور الغزلان التي تستوحش من كل شيء جاءت إلى باب القصر لتضرب بقرونها، فقالت له زوجته: يا أكيدر! أما تسمع؟ إن هذا لعجب! فقال لها: نعم.
قالت: وهل يترك هذا؟ فحمل على فرسه، وأخذ معه بعضاً من أهل بيته، وذهب ليلحق ببقر الوحش فإذا خالد بن الوليد رضي الله عنه وأرضاه قد أقبل عليه فأمسك به.
ومنها أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر أصحابه بأنواع من علامات الساعة، ففي هذه الغزوة أخبرهم ببعض العلامات، وذكر منها موته عليه الصلاة والسلام، وفتح بيت المقدس، وذكر منها: (موتان يصيب الناس كقعاص الغنم).
وذكر منها: (أن المال يكثر حتى يعطى الرجل مائة دينار ولا يزال ساخطاً).
وذكر منها هدنة تكون بين المسلمين وبين بني الأصفر، كما أنه أيضاً قال عن عين تبوك: (لئن طال بك المقام لتجدن هذا المكان عيناً معيناً)، وهذا مشابه لما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه الآخر أنه: (لا تقوم الساعة حتى تعود جزيرة العرب مروجاً وأنهاراً)، وهذا في صحيح مسلم.