إن الرفق بالمؤمنين وخاصة من ولاك الله أمرهم في أمر من الأمور من علامات المحبة في الله؛ لأن بعض الناس ربما يختل عنده الميزان، فإذا كان في غير موقع المسئولية فإنه قد يحقق الأخوة ويكون طيباً خلوقاً محباً للخير، لكن إذا كان في موقع المسئولية نسي هذا الأصل العظيم، وتحول إلى إنسان شديد يتعامل معهم أحياناً بنوع من القسوة والشدة والبغض، وهذا مما ينبغي أن ينتبه له الإنسان الذي يتولى أية مسئولية مهما كبرت أو صغرت، فليتأمل هذا الباب، فإن رسولنا صلى الله عليه وسلم وهو واجب الطاعة كان من أرفق الناس بالمؤمنين، وسنته وسيرته صلى الله عليه وسلم شاهدة بذلك، وكذلك كان أصحابه من بعده، انظروا إلى تاريخ أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه، وكيف كان رفقه ورحمته بالمؤمنين جميعاً في أيام خلافته رضي الله عنه.
وانظروا إلى سيرة عمر بن الخطاب، وانظروا إلى سير الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم جميعاً كيف كان الواحد منهم يرفق بالمؤمنين ويرحمهم.
وهذا عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى، لما سأل في يوم من الأيام عن أحوال أحد الجيوش وقد رجع من الجهاد، فأخبروه أنه والحمد لله لم يقع في المؤمنين قتل، قال: هل مات أحد منهم؟ قالوا: لا، سوى رجل عثرت به دابته في الثلج فمات، فأمر عمر رضي الله عنه وأرضاه قواد جيوشه ألا يذهبوا بالجيوش في أماكن الثلج وقت الشتاء رحمة بالمؤمنين.
مع أن الجهاد في سبيل الله هو ذروة سنام الإسلام، لكن انظر كيف تكون المحبة والرأفة بالمؤمنين! وأحمد بن حنبل رحمه الله تعالى رأى صديقه هارون بن عبد الله الحمال في يوم من الأيام يحدث الناس وهو في الظل وهم في الشمس، فلما رآه أتى عليه في الليل وقرع عليه بابه، فلما خرج عليه قال له: ما الذي جاء بك يا أبا عبد الله؟ قال له: لقد مررت عليك وأنت تحدث الناس في الفيء وهم في الشمس، فلا تفعل مرة أخرى، إذا قعدت فاقعد معهم.
فإذا كان هذا في حال من يعلم الناس ويربيهم ويروي لهم أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف بحال غيره أيها الإخوة في الله؟! إن الإنسان ينبغي له أن يتذكر دائماً هذا الأمر العظيم، وهو أن يكون رفيقاً بالمؤمنين، وخاصة حينما يتولى مسئولية صغرت أو كبرت.