[مؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار]
أولاً: المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار: والمؤاخاة تطبيق عملي؛ فلا تظنوا أن المؤاخاة هي جوانب مناصرتك ومحبتك، بل هي جوانب رباط تربط بين المؤمنين؛ لأنهم تجمعهم العقيدة؛ ولهذا كانت الأخوة في الله من أهم الأمثلة العملية على صدقنا، فإن الرسول عليه الصلاة والسلام قال:(لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، وهذا يأتي من خلال الإيمان، فالمؤمن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، ومن أحب لله وأبغض لله، وعادى لله، ووالى لله؛ فقد استكمل الإيمان.
وهذه المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار هي مؤاخاة إيمان، وهي تطبيق عملي لذلك الإيمان، فعليك أنت وأخوك أن تكونوا لحمة واحدة، ويداً واحدة، وعصاً واحدة على أعداء الله سبحانه وتعالى؛ ولهذا لما آخى الرسول صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار تحول المؤمنون هناك إلى كونهم يداً واحدة فيما بينهم وضد أعداءهم، وانظروا إلى الأمة الإسلامية اليوم كيف أن هذه الأخوة الإيمانية تخلخلت إلا ما عصم ربي، بل أصبح بعض المؤمنين يلاقي من الإيذاء والسخرية والعداء أحياناً من إخوانه المؤمنين أكثر مما يلاقيه من غيرهم: وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهند فالرسول صلى الله عليه وسلم وهو يؤاخي بين المهاجرين والأنصار كان يطبق تلك العقيدة عملياً في حياة المسلمين، ونحن اليوم وفي كل وقت بحاجة إلى مثل هذه التطبيقات العملية في حياتنا؛ حتى يكون إيماننا حقاً وصدقاً، وذلك حينما نتآخى فيما بيننا، فأخوك المؤمن في الهند، في مصر، في الجزائر، في المغرب، في أوروبا، في أفريقيا، في أي مكان من الدنيا؛ تربطك به رابطة الأخوة الإيمانية، هذه الرابطة التي تجمع المسلمين جميعاً إذا تحولت إلى رابطة إيمانية حقة صار المسلمون كلهم كالجسد الواحد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر.
لكن -ويا للأسف- انظروا إلى أحوال المسلمين تجدوا بينهم من التباغض ومن العداء أحياناً، ومن التدابر ومن التحاسد الشيء العجيب! مع أننا تجمعنا عقيدة واحدة، فكيف يكون هذا أيها الإخوة؟! وأين الإيمان الذي يجعل الإنسان يراقب الواحد الديان في أقواله وأعماله وتصرفاته؟! وأين الإيمان الذي يجعل الإنسان يحب أخاه ويحب له ما يحب لنفسه، ولا يرجو ثواباً من أحد، إنما يرجو وجه الله سبحانه وتعالى؟! هذا الإيمان هو الذي علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصدقه عملياً لما هاجر إلى المدينة؛ فكانت المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار.