بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فإن هذه الدروس ستكون في قضايا العقيدة المختلفة، وقد ترددت بين أمرين بالنسبة لمنهج الدرس: أحدهما: أن أجعله درساً يقوم على دراسة كتاب من كتب العقيدة وشرحه، كما كان في دروس شرح لمعة الاعتقاد لـ ابن قدامة رحمه الله تعالى.
الأمر الثاني: أن نجعل هذه الدروس نظراً لقصر الوقت دروساً متفرقة حول قضايا مهمة في أبواب العقيدة، وقد رجحت أن يكون منهجنا في هذه الدروس هو المنهج الثاني، أي أننا سنعرض في كل درس إن شاء الله لقضية من قضايا العقيدة القديمة أو المعاصرة.
وسأفتتح هذه الدروس بمقدمة حول العقيدة ومنهاج السلف؛ لأن هناك قضايا مهمة ومسلمة يجب أن يعيها المسلمون جميعاً والدارسون للعقيدة الإسلامية بشكل أخص، وكثيراً ما وقع الاختلاف والتفرق بين المسلمين بسبب أنه ليست لهم قواعد ولا أصول ثابتة ينطلقون منها جميعاً، فحينما تختلف بهم المناهج والقواعد سرعان ما يتمايزون يميناً وشمالاً:{كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}[المؤمنون:٥٣]، ونحن نعلم أن الله سبحانه وتعالى رحيم بعباده، ومن رحمته بهم أن أرسل لهم الرسل، وأنزل لهم الكتب، وبين لهم المحجة، حتى ترك كل رسول أمته على مثل البيضاء -الشمس- ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، وإذا كان الأمر كذلك فإن الخطأ إنما يقع من جانب الناس في تعاملهم مع النصوص.
أما النصوص من كتاب وسنة فهي وحي من الله سبحانه وتعالى:{لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}[فصلت:٤٢]، وقد حفظ الله القرآن العظيم، فلم يترك حفظه لأحد، قال تعالى:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[الحجر:٩]، وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم أيضاً هي وحي يوحى، كما قال تعالى:{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}[النجم:٣ - ٤].
إذاً الكتاب والسنة مصدران أصيلان من تمسك بهما لا يمكن أن يزل ولا أن يطغى، ولا أن ينحرف يميناً أو شمالاً، ولقد شهدنا هذا وسمعناه وقرأناه من خلال تجربة عملية قوية غيرت مجرى تاريخ البشرية، حين تمسك أولئك الصحب الكرام بذينك المصدرين وعملوا بهما، فكان لهم من الشأن ما هو معلوم ومعروف، ومن ثم فإن أي عودة للأمة الإسلامية، وخاصة في عصرنا الحاضر الذي تكالب فيه أعداء الإسلام مشرقاً ومغرباً، بل ومن داخل بلاد المسلمين تكالبوا فيه جميعاً على الإسلام وعلى المنهج الحق الذي يعتمد منهاج السلف الصالح رحمهم الله تبارك وتعالى، وإذا كانت الحال كما نشاهد مما يحز في كل نفس مؤمن فإن العودة إلى العزة والكرامة وإلى الرفعة والتميز عن باقي الأمم جميعاً لن يكون إلا بالعودة إلى تلك الأصول الصحيحة، والله سبحانه وتعالى يقول -وهذا الخطاب يشمل الفرد ويشمل الأمة-: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}[طه:١٢٤]، أما من اتبع ذكر الله والتزمه فإن له الحياة الحقيقية في الدنيا والآخرة، لهذا فنحن في هذه المقدمات سنعرض لقضايا تتعلق بالعقيدة وبمنهاج السلف الصالح رحمهم الله تعالى.