[القدوة في نساء الصحابة رضي الله عنهن]
إن المؤمنة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانت الواحدة منهن قد تكون عاشت في جاهلية وكفر وشرك بالله سبحانه وتعالى وعمل لما يغضبه، ثم تتحول إلى الإسلام، وعندما تقول: (لا إله إلا الله، محمد رسول الله) تتغير حياتها من أولها إلى آخرها.
إنه تصديق وإقرار يتبعه عمل في حياة هذه المرأة المسلمة، ثم تنظر في حالها وفي طموحاتها في هذه الحياة فتجد الموازين عندها قد تغيرت، وقبل ذلك كانت تنظر إلى الدنيا على أنها كل شيء، وعلى أن شهواتها وزينتها وأموالها وأطماعها هي الغاية في هذه الحياة.
أما الآن فلا، لقد تحولت إلى امرأة أخرى لا تنظر إلى الدنيا على أنها شيء، وإنما تنظر إلى الآخرة؛ لأن الميزان قد تغير، والقلب والعواطف والأحزان والأفراح بعدما كانت توجه إلى دنيا دنية صارت توجه إلى أخرى رخية، وصارت توجه إلى مراقبة تعيشها المرأة المسلمة لربها سبحانه وتعالى في كل أفعالها في السراء والضراء، وفي السر والعلانية، وفي كل حال تعيش عليها، ونظرت إلى ما بعد الموت والوقوف بين يدي الله سبحانه وتعالى فراقبت كل حركة من حركاتها في الدنيا.
أيتها الأخت المسلمة! هذه هي النقلة التي تعطيها العقيدة الإسلامية، وهذه هي النماذج التي رأيناها من نساء عشن في الكفر، فلما انتقلن إلى الإسلام تحولن إلى مؤمنات قانتات عابدات داعيات إلى الله سبحانه وتعالى، فقد كانت الواحدة منهن تضرب المثل في خدمة هذا الدين، وفي خدمة زوجها إذا كان مسلماً، وفي تربية أولادها، وتتحول الأسرة إلى أسرة مؤمنة مجاهدة تسمع ماذا يقوله الله وماذا يقوله رسوله صلى الله عليه وآله وسلم فتنفذ.
وبعض الصحابة كانوا يشربون الخمر قبل تحريمها في المدينة النبوية، فأتى رجل وقال لهؤلاء: أنا أشهد أن الخمر قد حرمت.
فألقوا ما معهم من الخمر في الحال منفذين.
ولقد نزلت آية من كتاب الله تعالى فرتلها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلمها أصحابه فرجع الأصحاب إلى بيوتهم وزوجاتهم وأمهاتهم وأخواتهم يتلون عليهن هذه الآية.
فماذا في هذه الآية من حكم؟ هذه الآية فيها حكم الحجاب، فسارعت المرأة المسلمة إلى لبسه دون أن تتردد ودون أن تنظر إلى صديقاتها أو رفيقاتها، ودون أن تعبأ بسخرية أو استهزاء، وذهبت مسرعة لتنفذ أمر الله تبارك وتعالى وتلبس الحجاب، وقد كنَّ يصلين الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وفي أول صلاة بعد نزول هذه الآية وافينه كالغربان؛ لأنهن لبسن السواد متحجبات، حيث أسرعن الامتثال لأمر الله وأمر رسوله، ولماذا لا تنفذ المرأة المسلمة أمر سول الله صلى الله عليه وسلم الله ورسوله وهي تخاف الله واليوم الآخر؟ ولماذا لا تنفذ وهي ترجو ما عند الله تبارك وتعالى في الآخرة؟ قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب:٣٦]، فهذا هو عنوانك -أيتها المرأة المسلمة- في حياتك من أولها إلى آخرها.
وكذلك أيضاً المسلم عليه أن يكون كما قال الله عز وجل: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب:٣٦]، ولهذا كانت الصحابيات لا يقلن: لماذا أمر الله؟ ولأي شيء نهانا؟ ولا يبحثن عن العلل وغيرها، وإنما يقلن: بمَ أمر الله حتى ننفذ؟ وما الذي أمر الله تبارك وتعالى به حتى ننفذه؟ هذا هو عنوان المؤمن والمؤمنة.
أيتها الأخت! هذه العقيدة هي التي صنعت أولئك الأمهات والزوجات والأخوات اللاتي وردن أمثالاً عظيمة في تاريخ الأمة وفي تاريخ الأمة الإسلامية بصفة خاصة، وهذه العقيدة هي نفسها العقيدة التي يمكن أن تصنع الرجال، وأن تصنع النساء المؤمنات العابدات القانتات، فالعقيدة واحدة، والقرآن موجود، وهو باقٍ إلى آخر الزمان، وسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم موجودة محفوظة مصححة، فإذا كان النبي عليه الصلاة والسلام قد غاب عنا بشخصه فإنه لم يغب عنا بسنته عليه الصلاة والسلام.
وإذا كان كذلك فإن العقيدة أيضاً بالإيمان بالله واليوم الآخر وما يتبع ذلك هي عقيدة باقية، وهي أيضاً ذات أثر في كل جيل متى ما صدق هذا الجيل بذلك وعمل به.