[الحديث النبوي مصدر من مصادر سيرة النبي صلى الله عليه وسلم]
المصدر الثاني من مصادر سيرة النبي عليه الصلاة والسلام هو حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: وينبغي أن نعلم أن حديث النبي صلى الله عليه وسلم والذي عني المسلمون بتدوينه عناية تامة، فيه من تفاصيل أحداث السيرة الأمر العجيب، ولدينا ما صح من الحديث النبوي، أقصد ما أُلف بقصد جمع الصحيح، فهناك من ألف كتابه وجعله صحيحاً، كـ البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى، وفيهما من أحداث السيرة النبوية الشيء الكثير والكثير جداً، وعليك أن تقرأه بثقة واطمئنان؛ لأنه ثابت صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فتجد في البخاري وفي مسلم أبواباً في فضائل الصحابة، وتجد أبواباً في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وتجد أبواباً في المغازي، وتجد أبواباً في معاملة النبي صلى الله عليه وسلم، وجهاده للكفار، وهكذا، ففيها من التفصيلات ما قد لا تجده في غيرها من المصادر الأخرى، إضافة إلى كتب السنة الأخرى كبقية السنن الأربع: الترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجة، وهكذا مسند الإمام أحمد وكتب المعاجم، كمعاجم الطبراني الصغير والكبير والأوسط، ومسند أبي يعلى الموصلي، وغيرها من دواوين السنة الكبرى، والأجزاء الحديثية الصغرى، فهذه كلها فيها الكثير والكثير مما لو جمع لكان سيرة متكاملة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولكن هذه الكتب الحديثية منها ما هو مرتب على الأبواب فيسهل أحياناً الوصول إليها، كما في البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي؛ حيث يسهل وصول الإنسان إلى الأبواب التي يريدها وتتعلق بسيرة النبي عليه الصلاة والسلام، وهناك كتب أخرى ليست كذلك، بل تحتاج إلى العلماء، وتحتاج إلى الفهارس؛ حتى نستفيد منها، كمسند الإمام أحمد؛ لأن الإمام أحمد جعله على مسانيد الصحابة، ومن ثمَّ فإن الإنسان الذي يريد أن يستفيد من هذا المسند لابد أن يتتبع المسند من أوله إلى آخره، ويستعين -مثلاً- بالفتح الرباني وإن كان لم يذكر الأحاديث المكررة، لكن الفتح الرباني حول المسند إلى الأبواب.
وكذلك أيضا المعجم الكبير للطبراني أو المعجم الأوسط أو مسند أبي يعلى الموصلي أو غيرها، فهذه كلها مسانيد جاءت على ترجمة الصحابة، وأحياناً على ترجمة شيوخ أولئك المحدثين، فالوصول إلى أحداث السيرة فيها يحتاج إلى فهرسة، ويحتاج إلى جهود العلماء في ذلك.
وينبغي أن نعلم أن حديث النبي صلى الله عليه وسلم وما صح منه -كما في البخاري ومسلم مثلاً- فيه من البيان والتوضيح لبعض الأحداث المشكلة الشيء الكثير، وسأذكر بعض الأمثلة المتعلقة بالعهد المدني: مما كان في العهد المدني أن النبي صلى الله عليه وسلم غزا غزوة بني المصطلق التي تُسمى غزوة المريسيع، فتجد -مثلاً- في سيرة ابن إسحاق أنه يذكر فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم دعاهم إلى الإسلام ثم قاتلهم، لكن تجد في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم داهمهم وهم غارون، فبحث العلماء هذه القضية: هل لابد قبل القتال من الدعوة إلى الإسلام؟ وكيف نجمع بين حديث البخاري وما قاله ابن إسحاق في سيرته؟ فهنا نجد أن البخاري رحمه الله تعالى أوثق، وأن النبي صلى الله عليه وسلم فعلاً هجم على بني المصطلق وهم غارون، حيث هجم عليهم هجوماً صاعقاً، وسبى ذراريهم، وغنم أموالهم، وجرى في تلك الغزوة ما جرى، لكن يبقى
السؤال
هل معنى ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك الحديث الآخر الذي في صحيح مسلم وفيه:(وإذا لقيت عدوك فادعهم إلى ثلاث خصال أو إحدى ثلاث خصال: إلى الإسلام)، يعني: ادعهم قبل ذلك، فهل معنى ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم -كما في صحيح البخاري - داهمهم ولم يدعهم؟
الجواب
لا، بل الراجح أنه داهمهم، لكن كان بنو المصطلق قد بلغتهم الدعوة، وإذا كان الأمر كذلك يزول الإشكال في هذه المسألة، وهكذا إذا حلل الإنسان يجد في كتب الحديث النبوي من الترجيحات الشيء الكثير والكثير جداً.