[جزاء أهل الشقاوة]
ونبدأ بالنار أعاذنا الله وإياكم منها: والصراط منصوب على متن جهنم يمر عليه الناس جميعاً، قال تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا} [مريم:٧١]، يقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: (ورأيت النار، فلم أر كاليوم منظراً قط أفظع، ورأيت أكثر أهلها النساء) متفق عليه.
ونار جهنم يلقى فيها من أهل النار الأعداد الكثيرة، والكافر فيها يضخم جسمه حتى يصير ضرسه مثل جبل أحد، كما ثبت في الحديث الصحيح، وما بين منكبي الكافر مسيرة ثلاثة أيام، فتصور الكافر بهذا الحجم العظيم، ويلقى فيها الكفار جميعاً، ويتكردس من يتكردس من عصاة الموحدين، والنار تشتد تغيظاً وزفيراً {وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} [ق:٣٠] {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} [ق:٣٠]، نار قعرها بعيد، الحجر يهوي فيها سبعين خريفاً لا يبلغ قعرها.
وجهنم -أيها الأخ- يؤتى بها يوم القيامة، فهل تصورت جهنم يؤتى بها ونحن في القيامة واقفون بين يدي الله للحساب والجزاء، وهل تصورت كيف يؤتى بها؟ روى مسلم في صحيحه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يؤتى بجهنم لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك)، ألا ما أعظمها من نار! نسأل الله تبارك وتعالى أن ينجينا منها.
وأبواب الجنة ثمانية، لكن أبواب النار سبعة {لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ} [الحجر:٤٤] ويساق الكفار إلى جهنم زمرا، أي: جماعات.
أيها الأخ المسلم! وصف النار فظيع جداً، إن الناس في الدنيا يتقون الحر والكرب بالماء والهواء، والحر هو الكرب في الدنيا، ونجد كثرة استخدام الناس الماء والهواء للتبريد والظل بعداً عن الشمس وحرارتها، لكن النار يكون أهلها في عذاب شديد حتى في هذه الأمور الثلاثة، فأهل النار في سموم وفي ظل من يحموم وماؤهم الحميم الذي بلغ الغاية في الغليان {وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ} [الواقعة:٤٣]، وهو ظل دخان نار جهنم {لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ} [الواقعة:٤٤]، {انطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ * لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ * إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ * كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ} [المرسلات:٣٠ - ٣٣]، ومن ثم فهذه النار لا تبقي ولا تذر، بل تدمر كل شيء وتأكل كل شيء، وهذه النار وقودها الناس والحجارة، وهي دائمة لا تنقطع {كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا} [الإسراء:٩٧].
وهي نار تتكلم، فهل تصورت ناراً تتكلم؟ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يخرج يوم القيامة عنق من النار لها عينان تبصران وأذنان تسمعان ولسان ينطق، تقول: إني وكلت بثلاثة: بكل جبار عنيد، وبكل من دعا مع الله إلهاً آخر، وبالمصورين) صححه الترمذي.
وأما الحالة الاجتماعية فالأقارب في نار جهنم، والضعفاء والأسياد حالهم شر حال، وأهل النار يلعن بعضهم بعضاً {كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا} [الأعراف:٣٨]، ويكون الحوار بين الضعفاء والمستكبرين، ولكنه حوار لا ينفع، إنها الدعاوى التي لا تقبل أبداً.
هل تأملت -أيها الأخ- ذلك اليوم وأمامك نار جهنم حين تزفر زفرة لا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلى جثا على ركبتيه من الخوف؟ هل تصورت المشهد فعملت لذلك المشهد؟ يا عبد الله! تذكر في جميع أحوالك في هذه الدنيا نار جهنم، وتمثل ذلك اليوم وأنت ذليل خائف وجل لا تدري متى يؤمر بك إلى النار، إن هول ذلك اليوم أقض مضاجع الصالحين العابدين القانتين، فكان الواحد منهم يبكي فإذا قيل له: ألست على كذا وكذا من الخير؟ فيقول: ولكن أخاف في ذلك اليوم أن يقول الله: خذوه إلى النار ولا يبالي تبارك وتعالى.
يوم يغضب الله فيه غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإذا كان هذا حال الصالحين فكيف حال المقصرين؟ ألا يخاف العبد أن يأمر الله الملائكة بأن تأخذه إلى نار جهنم ولا يبالي تبارك وتعالى وهو الغني عن العالمين؟ ويشتد الهول في نار جهنم حين يذبح الموت، كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.