التوكل على الله سبحانه وتعالى -كما سبق- لا يتم إلا لمن أخلص لله التوحيد واستقام على منهج أهل السنة والجماعة، ومن ثم فإننا نجد أن الذين ضلوا في باب التوكل على الله عدة أصناف: الصنف الأول: المعطلة، الذين نفوا أسماء الله وصفاته، فهؤلاء على من يتوكلون إذا كانوا لا يقرون في أن الله سبحانه وتعالى خلاق رزاق محي مميت عالم قادر إلى آخر أسمائه وصفاته؟! يضعف إيمانهم ويسوء توكلهم على الله سبحانه وتعالى.
الصنف الثاني من الذين ضلوا: القدرية والمعتزلة، الذين قالوا: إن الإنسان له إرادة مستقلة عن الله.
وقالوا: إن العبد هو الذي يخلق أفعاله، وإن الله لا يخلق أفعال العباد.
فهؤلاء لا يتوكلون على الله في أمورهم، وإنما يتوكلون على أنفسهم، فيظنون أنهم هم أنفسهم الذين يفعلون أفعالهم، فلا حاجة فيهم إلى التوكل على الله.
الصنف الثالث من الذين ضلوا في هذا الباب: الأشعرية والصوفية، فإن الأشعرية أنكروا الأسباب، وقالوا: الله هو الفاعل والأسباب لا قيمة لها، وإنما يأتي الفعل عند السبب، لا بالسبب، والصوفية أيضاً -كما تعلم وكما تسمع- من أحوالهم -قالوا: حقيقة التوكل ترك الأسباب، فلا تطلب الرزق، ولا تسعى في الأرض.
ومن ثم تجد أن كثيراً من هؤلاء يذهب إلى البراري لا يحمل معه شيئاً، ويقول: أنا متوكل على الله.
وهذا لا شك أنه خطأ كبير وضعف في العقول؛ لأن العقول المستقيمة هي التي تعلم أن الأمر إنما يتم بسببه.
فلو أن إنساناً قال: أنا سأتوكل على الله ويأتيني أكلي وأشبع فلا يمكن حصول هذا إلا بفعل السبب.
ولو قال رجل: أنا أتوكل على الله، وإن شاء الله سيأتيني الولد.
ولا يتزوج، فلا يمكن هذا.
وهكذا في بقية أمور الحياة، فمن ترك الأسباب، أو زعم أن الأسباب لا قيمة لها إطلاقاً فقد انحرف في فهمه بتوكله على الله سبحانه وتعالى.