[الأمور التي تبرز من خلالها أهمية السيرة النبوية]
وأهمية سيرة النبي عليه الصلاة والسلام تبرز من خلال عدة أمور: منها: عناية السلف رحمهم الله تعالى بهذه السيرة النبوية الكريمة: ولو أن الإنسان تدبر كيف كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبون هذا النبي الكريم لوجد أنهم كانوا يحبونه محبة عظيمة جداً، حتى إنهم رضي الله عنهم وأرضاهم لما انتقل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى، وعلموا أنهم قد فقدوه، وأنه انقطع الوحي بينهم وبين السماء، أصيبوا بصدمة عظيمة ذهلت لها عقولهم، حتى إن أحد الصحابة يعبر عن ذلك ويقول: (فلما أن دفنا رسول الله صلى الله عليه وسلم تنكرت لنا قلوبنا؛ فما هي والله بالتي نعرف).
وصار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتنقلون في الشوارع والطرقات في المدينة، وكأنهم طير بلله المطر ينتقل من زاوية إلى زاوية؛ من شدة ما لقوا من الحزن لفقد هذا النبي الكريم والرحمة المهداة صلى الله عليه وسلم.
فإذا كانت هذه عناية هؤلاء الصحابة فعناية سلفنا الصالح من التابعين ومن بعدهم كانت على مثل ذلك، فحرصوا على متابعته، وحرصوا على مدارسة سيرته صلى الله عليه وسلم؛ حتى إن أحد أئمة التابعين -وهو الإمام الزهري الذي يُعتبر أحد من دون مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ كان يقول عن علم المغازي: إنه علم الآخرة والدنيا.
وقد روي عن إسماعيل بن محمد بن سعد قال: (كان أبي يعلمنا مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسراياه ويعدَّها علينا، ويقول: يا بني! هذه مآثر آبائكم فلا تضيعوا ذكرها)، يربي رحمه الله تعالى عليها أولاده.
وعن علي بن الحسين قال: (كنا نعلم مغازي نبي الله صلى الله عليه وسلم كما نعلم السورة من القرآن).
وهذا منهم رحمهم الله تعالى دليل على حرصهم على أن يربوا أولادهم على معرفة هذه السيرة النبوية الكريمة، وعلى معرفة تفاصيلها؛ حتى تمتلئ قلوبهم محبة لهذا النبي العظيم وعظمة لهذا الدين وهذا الإسلام، ولئلا تمتلئ قلوبهم بمحبة الخرافات والأساطير وقصص الممثلين والممثلات وغيرهم مما لا فائدة منه أبداً، فيجب أن تملأ قلوب الصغار وتملأ قلوب الأولاد بمغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسراياه وسيرته وتفاصيلها، وإن قلباً امتلأ محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعلماً بسيرته وبسراياه ومغازيه وأموره كلها، لقلب قمن أن يكون قلباً تواباً أواباً رجاعاً إلى ربه تبارك وتعالى عاملاً بالإسلام داعياً إليه خادماً له معتزاً به.
وما أحرانا أيها الإخوة المسلمون! في عصرنا الحاضر أن نغرس في قلوب أولادنا هذه السيرة النبوية الكريمة! بدل أن يغرسها وتغرسها وسائل الإعلام بقصص الكافرين والكافرات والفاسقين والفاسقات، نسأل الله السلامة والعافية.
ولقد كتب ابن القيم رحمه الله تعالى في (زاد المعاد) مقدمة عظيمة عن أهمية سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن منزلة هذا النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، ومما قاله بعد مقدمة طويلة: ومن هنا تعلم اضطرار العباد فوق كل ضرورة إلى معرفة الرسول وما جاء به، وتصديقه فيما أخبر به، وطاعته فيما أمر؛ فإنه لا سبيل إلى السعادة والفلاح لا في الدنيا ولا في الآخرة إلا على أيدي الرسل، ولا سبيل إلى معرفة الطيب والخبيث على التفصيل إلا من جهتهم، ولا يُنال رضا الله البتة إلا على أيديهم، فالطيب من الأعمال والأقوال والأخلاق ليس إلا هديهم وما جاءوا به، فهم الميزان الراجح الذي على أقوالهم وأعمالهم وأخلاقهم توزن الأقوال والأخلاق والأعمال، وبمتابعتهم يتميز أهل الهدى من أهل الضلال، فالضرورة إليهم أعظم من ضرورة البدن إلى روحه، والعين إلى نورها، والروح إلى حياتها، فأي ضرورة وحاجة فُرضت فضرورة العبد وحاجته إلى الرسل فوقها بكثير، وما ظنك بمن إذا غاب عنك هديه وما جاء به طرفة عين فسد قلبك، وصار كالحوت إذا فارق الماء؟! وإذا كانت سعادة العبد في الدارين معلقة بهدي النبي صلى الله عليه وسلم فيجب على كل من نصح نفسه وأحب نجاتها وسعادتها أن يعرف هديه وسيرته وشأنه وما يخرج به عن الجاهلين به، ويدخل به في عداد أتباعه وشريعته وحزبه.
وعلى هذا فإن سيرة رسولنا صلى الله عليه وسلم إنما هي سيرة خاصة، ونحن محتاجون إليها إذا أردنا أن نكون من المؤمنين المتقين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
والعجيب! أن كثيراً ممن يهتم بتاريخنا الإسلامي تجده يركز على قضايا مادية، كالزخرفة والفنون والبنايات وغيرها، ويجعلها هي رمز الحضارة الإسلامية، ويؤلف في ذلك المؤلفات الطويلة، ثم يغفل عن إظهار وإشهار سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما فيها من عظمة، وما فيها من جهاد، وما فيها من دروس وعبر، فلاشك أن هذه السيرة النبوية مليئة ومليئة للمسلمين بأن يكون هذا النبي صلى الله عليه وسلم قدوة لهم؛ فكلٌ يقتدي به عليه الصلاة والسلام، فالمؤمن الذي يريد أن يهتدي بهدى الله يقتدي بالنبي عليه الصلاة والسلام، وهكذا يقتدي به المجاهد الذي يقود الجهاد في سبيل الله، والداعية الذي يدعو إلى الله سبحانه وتعالى، والزوج الذي يريد أن يربي أسرته على المنهج الصحيح، والرجل الذي يريد أن يعلم أصحابه وأولاده ما يريدونه من العلم، وهكذا.
فسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم تتميز بشمولها التام، وبأنها سيرة متكاملة شاملة لجميع مناحي الحياة، قد نجد عند الناس في تواريخهم من برز في القتال، أو من برز في العلم، لكن أن نجد من هو قدوة يجب اتباعه ومن برز في جميع الأمور؛ فلا نجد ذلك إلا في هذا النبي الحبيب الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم.