والنبي صلى الله عليه وسلم أمر بالتوكل عليه، وهذا هديه صلى الله عليه وسلم، من تدبر سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم وجد أنه كان في جميع أحواله أفضل المتوكلين، وانظر إليه في مكة، وفي المدينة، وفي الهجرة، وفي غزواته كيف كان توكله على الله والتجاؤه إليه، مع أنه عليه الصلاة والسلام كان يبذل الأسباب، ظاهر بين درعين عليه الصلاة والسلام، لبس درعين واحداً فوق الآخر، وكان يدرب أصحابه ويأمرهم بالتدريب والرمي، وكان صلى الله عليه وسلم ينظم صفوفه ويجمع السلاح امتثالاً لأمر الله تعالى:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ}[الأنفال:٦٠].
إذا صدقنا في التوكل على الله فلن تخافنا الجيوش التي أمامنا من جيوش الأعداء، وإنما ترعب الجيوش التي بيننا وبينها مئات الكيلو مترات، وهذا الذي نصر به النبي صلى الله عليه وسلم، ونصر به أصحابه، الرعب لكن متى يتحقق الرعب للأمة الإسلامية؟ عندما تصدق في إيمانها وتحكيم قرآنها وتوكلها على ربها واعتصامها به، وإلا فلا كرامة وإن تسموا بالإسلام وإن تظاهروا به، لا كرامة إلا لمن اعتمد على الله وتوكل عليه وأناب إليه وحكم شرعه.
هذه موازين لا تتغير أبداً باختلاف الزمان والمكان، موازين ثابتة، والنبي صلى الله عليه وسلم في أحواله كلها كان أفضل من توكل على ربه، وكان قدوة لنا في ذلك، ولن ندخل في تفاصيل سيرته؛ لأن هذا معلوم للجميع، وأدعو إلى تدبر سيرته صلى الله عليه وسلم لنخلص منها إلى مثل هذه المعاني الإيمانية.
ولما وصف النبي صلى الله عليه وسلم أن هناك سبعين ألفاً من أمته يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب قال في وصفهم:(هم الذين لا يسترقون، ولا يتطيرون، ولا يكتوون، وعلى ربهم يتوكلون)، فإذا ما توكل الإنسان على غير الله سبحانه وتعالى نقص إيمانه، وربما زال إيمانه، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وأدعية النبي صلى الله عليه وسلم شاهدة على توكله صلى الله عليه وسلم، كان الرسول عليه الصلاة والسلام يدعو ويقول:(اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت)، وكان عليه الصلاة والسلام يقول إذا خرج من بيته:(باسم الله، توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله)، فيقال له: هديت ووقيت وكفيت.
ويقول:(إذا خرج الإنسان من بيته فقال: باسم الله، توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله يقول له الملك: هديت وكفيت ووقيت).