[الأمور الواجبة على حامل القرآن]
المسألة الثالثة: ماذا يجب على حامل القرآن العظيم؟ يجب على من تلا كتاب الله سبحانه وتعالى سواء كان ممن يتلو هذا القرآن أو ممن يحفظه أو يحفظ آيات منه يجب عليه أن يراعي عدة أمور: أولها: الإخلاص لله تعالى في تلاوته وحفظه وتعلمه وتعليمه، وذلك بأن يكون مقصده ربه سبحانه وتعالى.
الثاني: أن يأخذ نفسه بتلاوة القرآن، وأن يكون ممن عرف بتلاوته ليلاً ونهاراً، قال ابن مسعود رضي الله عنه: (ينبغي لقارئ القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون، وبنهاره إذا الناس مفطرون، وببكائه إذا الناس يضحكون، وبصمته إذا الناس يخوضون، وبخشوعه إذا الناس يختالون، وبحزنه إذا الناس يفرحون).
وهذه كلها آثار على قارئ القرآن، وعلى تالي القرآن، وعلى حافظ القرآن، وعلى من يعمل بالقرآن.
الثالث: أن يحذر من أن يقصد بحفظه للقرآن أو تلاوته له شرف المنزلة عند أبناء الدنيا، وإذا دخله شيء من ذلك مما يوسوس به الشيطان فليتق العبد الله، وليراجع قلبه ونفسه، ليتق الله سبحانه وتعالى؛ بحيث يكون بتلاوته للقرآن وحفظه له قاصداً به وجه الله، لا يريد به شرفاً، ولا ليقال: القارئ الفلاني، ولا ليقال: ما أحسن صوته! أو ما أجمل قراءته! فكل هذه الأمور خداعات يُخدع بها الإنسان؛ فإن كانت مدحاً من مؤمن صادق فعليه أن يشكر الله سبحانه وتعالى، ويجعلها عاجل بشراه، لكن بشرط ألا يؤدي به ذلك إلى الغرور، وألا يؤدي به ذلك إلى العجب، وألا يؤدي به ذلك إلى الترفع على عباد الله سبحانه وتعالى؛ بل قراءته للقرآن، وحفظه له، وتلاوته له، ينبغي أن يزيده خضوعاً لله سبحانه وتعالى وزهداً فيما عند الناس ورغبة فيما عند الله تبارك وتعالى.
الأمر الرابع: أن يعمل بالقرآن؛ لأن فائدة التلاوة والقراءة تنقسم إلى قسمين: القسم الأول: فضيلة التلاوة، وهو عبادة لله سبحانه وتعالى.
القسم الثاني -وهم المهم وهو الذي يؤثر حتى على القسم الأول هو-: العمل بما تقرأ وتتلو، ولهذا قال الله سبحانه وتعالى للرسول صلى الله عليه وسلم: {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الزخرف:٤٣]، أي: استمسك به عملاً، واستمسك به اتباعاً، واستمسك به تحكيماً.
ويقول الله سبحانه وتعالى عن أولئك الذين يكتمون بعض آيات الله: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُوْلَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة:١٧٤]، فاحذر يا عبد الله! أن تكون ممن يقرأ القرآن ولكن لا يعمل به؛ بل اعمل بالقرآن، واحرص على العمل به، ولكن هذا جزء من تدبره وجزء من آثار تدبره، كما سيأتي.
الأمر الخامس: خطورة هجر القرآن العظيم، يقول الله سبحانه وتعالى: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} [الفرقان:٣٠]؛ وهجر القرآن على أنواع: النوع الأول: هجر تلاوته والتعبد به، وهذا كثير، وهو ذو أثر خطير على الناس.
فلماذا تكثر المشاكل، وتكثر الأمراض النفسية؟! ولماذا يغلبنا الهوى؟! ولماذا نحس بضعف الإيمان؟! إن هذه الأمور من أسبابها الكبار هجر كتاب الله سبحانه وتعالى، أي: هجر تلاوته والتعبد به، ولو تعلق قلب المؤمن بهذا القرآن يتلوه كل يوم لأثر في قلبه، ولأثر على أفعاله، ولأثر في كل تصرف من تصرفاته.
النوع الثاني من الهجر -وهو أخطرها-: هجر العمل به وتحكيمه، ومن المؤسف حقاً أننا نجد المسلمين اليوم إلا ما عصم ربي قد هجروا كتاب الله، أي: هجروا الحكم به؛ وكم من بلد ينتسب إلى الإسلام اتخذ كتاب الله وراءه ظهرياً، واستبدل به قوانين وأنظمة البشر في جميع شئون الحياة، أو في غالب شئون الحياة، ويدعوهم الداعون المخلصون ويقولون لهم: هلموا إلى تحكيم كتاب الله، وإلى تطبيق شريعة الله، فإن العزة والنصر من الله، وإن الاستقلال من التبعية لأعدائنا، وإن نصرنا وتغير أحوالنا، ونزول البركات على مجتمعاتنا؛ إنما يكون بتحكيم هذا القرآن العظيم، ويصرخ الدعاة إلى الله ولكن يا للأسف! لا يستمع إليهم من بيده الأمر، إلا ما عصم ربي، بل مما يجعل في النفس حزازة وأي حزازة ألا يشكر هؤلاء الدعاة، وألا يقال لهم: جزاكم الله خيراً.
وإنما يقابلون بالحرب والتشريد والسجون، ويقال لهم: أنتم أصوليون إرهابيون وأنتم وأنتم وأنتم! حقاً إن مما يؤسف له أن كثيراً من بلاد المسلمين هجروا كتاب الله وتحكيمه، فجاءت نظمهم ودساتيرهم وأحكامهم في الحدود وفي مسائل الاقتصاد والعلاقات الاجتماعية والسياسية وغيرها لا ترجع إلى كتاب الله سبحانه وتعالى، وإنما تعتمد على أنظمة وأعراف وقوانين البشر! إذاً: أيها الإخوة في الله! الأمة الإسلامية أصيبت بمصيبتين: إحداهما: هجر كتاب الله وتلاوته إلا ما عصم الله، والثانية: هجر الحكم به والعمل به إلا ما عصم الله.
الأمر الثالث من أنواع هجره وهو تابع للأمرين السابقين: هجر التأدب به والتخلق بأخلاقه، فالقرآن العظيم كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا كانت حياته عليه الصلاة والسلام حياة المؤمن الصادق في كل قولة أو فعلة أو كلمة أو ذهاب أو مجيء أو إلى آخره.
فكان عليه الصلاة والسلام في جميع أموره متخلقاً بخلق القرآن، ومتأدباً بأدب القرآن، وكذلك كان أصحابه رضي الله عنهم، فإن مما يؤسف له أن يهجر كثير من المسلمين التخلق بأخلاق القرآن وآدابه.
الأمر السابع: وجوب تدبر القرآن العظيم، وتدبر القرآن العظيم جاءت فيه أكثر من آية، يقول الله سبحانه وتعالى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النساء:٨٢].
ويقول تبارك وتعالى في آية أخرى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:٢٤].