للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[علاقة القدر بالإنسان]

بعد هذا ننتقل إلى مسألة أخرى تتعلق بمذهب أهل السنة والجماعة في باب القدر، وهي علاقة القدر بالإنسان.

نحن في الفقرات السابقة شرحنا وأوضحنا علاقة القدر بالله سبحانه وتعالى، وقلنا: إن مراتب القدر الأربع يجب على العبد أن يؤمن بها، وأن هذا هو مقتضى الإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره من الله تعالى.

لكن بالنسبة للإنسان نفسه هل له إرادة ومشيئة وقدرة أو ليس له ذلك؟ هنا نذكر نقطتين هامتين: النقطة الأولى: أن الإنسان غير مجبور على فعله، ولم يرد عن السلف رحمهم الله تعالى حتى كلمة الجبر، لم ترد في النصوص، وإنما الوارد (الجَبْل) يقول الرسول صلى الله عليه وسلم لـ أشج عبد القيس: (إن فيك خلقين جبلت عليهما: الحلم والأناة).

فالله سبحانه وتعالى يخلق الإنسان على جبلة، لكن لفظ (جبر) لم يرد، حتى إن أبا عبيد وهو أحد أئمة اللغة قال: إن لفظ الجبر في باب القدر لفظ مولد، يعني: لم يأت إلا بعد استكمال النصوص الشرعية من كتاب الله ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

إذاً: قضية أن الإنسان مجبور لم ترد في النصوص، وإنما الوارد في النصوص أشياء أخرى كما في قضية المشيئة: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان:٣٠].

وورد في النصوص الختم والطبع، قال الله تعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف:٥]، وقال تعالى: {وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ} [النساء:١٥٥]، ويقول تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ * خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} [البقرة:٦ - ٧]، والختم والطبع الوارد في كتاب الله تبارك وتعالى إنما هو عقوبة وجزاء لمن لم يسلك الطريق الصحيح، ولهذا لا تجد نصاً يفيد أن الله يطبع على القلب ابتداءً، وإنما يرد الطبع وزيغ القلب إذا لم يترك الإنسان المعصية، وهذه تكون من باب العقوبات الإلهية، فالله تعالى يعاقب العبد إذا فعل المعصية بأن يفعل معاصي أخرى، وتكون هذه عقوبة له على المعصية الأولى.

النقطة الثانية: أننا لو نظرنا إلى قضية الإنسان وأفعاله لوجدنا أن الله سبحانه وتعالى في باب المحافظة والتكليف فرق بين عدة أشياء بالنسبة للإنسان، هناك أشياء تقع في الإنسان مثل كونه يولد في وقت كذا، أو يولد طويلاً، أو يولد قصيراً، أو يولد ولونه أسمر أو لونه أحمر أو لونه أبيض، أو كون الإنسان يعيش خمسين سنة أو أربعين سنة، أو كون الإنسان يعيش بأعضاء متكاملة بعضها أقوى من بعض، هذه الأمور التي تجري في الإنسان أوجدها الله سبحانه وتعالى له بدون إرادة منه، لهذا فهو لا يحاسب عليها، فلا يأتي الإنسان يحاسب الله ويقول: لماذا كنت أسود أو أحمر أو غير ذلك؟! هذا وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

<<  <  ج: ص:  >  >>