[الأم ودورها في الأسرة]
عاشراً: الأم ودورها في الأسرة.
أيها الإخوة! إن الأم والزوجة داخل البيت لهن أثر كبير جداً في حياة الأسرة، ولهذا فإننا أحياناً نجد نماذج تقوم فيها الأم بدور عظيم، إن كون الأم تقوم بدورها المكمل للزوج هذا هو الطبيعي، أن يقوم الأب بدوره، وتقوم الأم بدورها، وكل منهما يكمل الآخر، لكن هناك أحوال فعلاً تقوم فيها الأم بدور عظيم، فمثلاً: قد يوجد نموذج الأب المنحرف والأم الصالحة، والزوجة الصالحة، ويعظم الخطب حين يكون الأب منحرفاً وحريصاً على أن يسلك بأولاده وأسرته مسلكه المنحرف، لماذا يحرص على ذلك؟ إما رغبةً في الانحراف وتزيين الشيطان، أو لأن الأب يريد لأسرته الانحراف حتى لا يضايقوه في انحرافه، هذه الحالة يأتي فيها دور الأم إذا كانت صالحة، هنا دور عظيمات النساء، فالأم أولاً: يكون دورها في نصح زوجها، وتصحيح مساره، تعالجه وهي تعايشه ليلاً ونهاراً حتى يصحح المسار، وكم من زوجة كان لها أثر كبير على الزوج فصححت مساره وعقيدته.
ثانياً: دورها في حماية الأسرة من الانحراف، خاصة من هذا الأب الذي يمتلك من الإمكانات ما لا يملك غيره.
أيها الإخوة! إن لنا في قصة إحدى الصحابيات عبرة وعظة، قصة صحابية جليلة واجهت ما تواجهه مثل هذه المرأة التي ذكرناها قبل قليل، أم سليم الرميصاء بنت ملحان بن خالد بن يزيد الأنصارية والدة أنس بن مالك، اسمعوا إلى هذا النموذج حينما يستيقظ حس العقيدة في نفس الأم، وفي نفس الزوجة؛ روي عنها أنها آمنت برسول الله صلى الله عليه وسلم، واستجابت لداعي الهدى والخير، وقالت: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، فتحولت إلى امرأة مسلمة مستسلمة لربها تبارك وتعالى، ولكن في أول الأمر كان زوجها كافرًا، فجاء زوجها مالك والد أنس بن مالك -وكان غائباً- فكان أول سؤال سألها أن قال لها مغضباً: أصبوت؟! فقالت: ما صبوت ولكني آمنت، فلما رأت زوجها مغضباً ينكر عليها إيمانها خافت على وليدها أنس، فجعلت تلقن أنس الشهادتين وهو صغير رضيع، تقول له: قل: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، أرأيتم الأم حينما تخاف على ابنها من الانحراف! فصار أبوه يقول لها: لا تفسدي علي ابني، لا تفسدي علي ابني، فتقول له: إني لا أفسده.
ونسأل الله السلامة والعافية! ثم خرج مالك ولقيه عدو له فقتله على الكفر بالله، نسأل الله السلامة والعافية! فلما قتل قالت هذه الأم وهذه الزوجة: لا جرم، لا أفطم أنساً حتى يدع الثدي هو، حتى تربيه على الحنان وعلى رضاع الإيمان، ثم قالت: ولا أتزوج حتى يأمرني أنس.
نعم أيها الإخوة! إنه الحرص على هذا الابن الصغير، خوفاً عليه من أن تتلقفه الأيدي التي لا تربيه على منهج الله ومنهج رسوله صلى الله عليه وسلم، فتفرغت للطفل، ولهذا لما شب قليلاً وصار عمره قرابة سبع سنوات نقلته إلى بيت النبوة، وأتت بابنها أنس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت: يا رسول الله! هذا أنس خويدمك، أريد أن يخدمك يا رسول الله.
وبقي أنس بن مالك في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخدمه عشر سنوات، حتى انتقل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى.
هل انتهت قصة هذه الصحابية الجليلة؟ لا، لم تنته بعد؛ لقد خطبها أبو طلحة الأنصاري وهو على الشرك، فأبت عليه، لكن هل أبت واكتفت؟ لا، أبت إباء المرأة الداعية إلى الله سبحانه وتعالى، روى ابنها أنس بن مالك قال: خطب أبو طلحة أم سليم، فقالت: إنه لا ينبغي أن أتزوج مشركاً، ثم قالت له: يا أبا طلحة! أما تعلم أن آلهتكم -الأصنام- ينحتها عبد آل فلان، وأنكم لو أشعلتم فيها ناراً لاحترقت؟ كيف تعبد يا أبا طلحة هذا الخشب وهذا الحجر من دون الله؟! إنها دعوة إلى التوحيد، قال أنس: فانصرف وفي قلبه ذلك، ثم أتاها بعد ذلك وقال: الذي عرضت علي قد قبلت، فتزوجها، فكان مهرها الإسلام، فما أعظمه من مهر يا دعاة المادية! يا دعاة غلاء المهور! كان مهرها هو الإسلام! دخل في الإسلام فكان مهراً لها.
ومن أصحاب النبي ومن غيرهم من أمهر بالقرآن العظيم، منهم من أمهر بسورة من القرآن، ولقد سمعت قصة شاب خطب امرأة فقالت له الزوجة: ما أريد منه إلا حفظ القرآن، فرجع إلى بيته -وهو الفقير- يحفظ القرآن، فلما أتم حفظه وجاء، قالوا: نعم إذاًً.
فتقدم، فكان مهرها القرآن، أرأيتم النفوس كيف تربى؟! وأم سليم امرأة مجاهدة قصتها طويلة.