ثم يأتي المصدر الأخير وهو الفطرة التي فطر الله سبحانه وتعالى الناس عليها، فكل العباد مفطورون على الإيمان الصحيح، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:(كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه)، ومعنى الفطرة هنا هي فطرة الإسلام، فلو ترك الصغير وفطرته لكان من المؤمنين المسلمين، أما إذا وجد من يؤثر فيه فالنبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن أبويه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما هو معروف، وهذه قضية مهمة جداً؛ لأن الله سبحانه وتعالى فطر عباده على فهم الأمور بأبسط الدلائل، الأعرابي يستدل على وجود الله سبحانه وتعالى، وعلى أن الله موجود بدلائل الفطرة؛ لأن الفطرة تدل على أن هذا الكون لا بد له من خالق، فالبعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير، أرض وأمواج، وسماء ذات أبراج، ألا تدل على الحكيم الخبير؟! الفطرة تدل على أن الإنسان يطلب ربه سبحانه وتعالى في العلو، فما احتاج الإنسان إلى ربه في أمر من أموره إلا ورفع بصره إلى السماء، وتلك الفطرة هي التي فطر الله سبحانه وتعالى عباده عليها، بل إن الفطرة تدل على توحيد الألوهية؛ لأن الإنسان إذا آمن بأن الله سبحانه وتعالى هو الخالق وحده، وهو الرازق وحده، وهو الذي يحيي، وهو الذي يميت، وهو الذي إليه يرجع الأمر كله، وبيده الأمر كله سبحانه وتعالى، إذا اعتقد ذلك فلا بد أن ينتهي به الأمر إلى أن هذا الإله الخالق الرازق المحيي المميت هو الذي يجب أن يعبد وحده لا شريك له، فلا تخضع القلوب إلا له محبة وإنابة وذلاً وخوفاً وخشية وتوكلاً وغير ذلك من أنواع العبادة لا تهفو القلوب بهذه العبادات إلا لله وحده لا شريك له، فكيف يخاف الإنسان أو يحب الإنسان محبة عبادة أو يتوكل الإنسان على مخلوق لا يملك هو لنفسه نفعاً ولا ضراً، تلك قضايا الفطرة تدل على ما جاء به كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فالفطرة والعقول السليمة مؤيدة لما جاء به كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يمكن أن يأتي في الكتاب ولا في السنة شيء يخالف أو يناقض تلك العقول الصريحة ولا تلك الفطر السليمة.