[امتداح النبي صلى الله عليه وسلم لموسى عليه السلام]
أما حديثه صلى الله عليه وسلم عن موسى عليه الصلاة والسلام فكثير، ومنه هذا الحديث الذي قاله صلى الله عليه وسلم في صيام يوم عاشوراء: (نحن أحق بموسى منكم).
ومن ذلك حديثه عن إيذاء بني إسرائيل له حين اتهموه بعيب في بدنه، قال صلى الله عليه وسلم: (إن موسى كان رجلاً حيياً ستيراً لا يُرى من جلده شيئاً استحياءً منه، وآذاه من آذاه من بني إسرائيل فبرأه الله تعالى) وذكر بقية الحديث الذي رواه البخاري.
ولما قسم النبي صلى الله عليه وسلم في يوم من الأيام قسماً قال رجل: إن هذه لقسمة ما أريد بها وجه الله، فلما أخبر عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول هذا القائل، قال عبد الله: فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رأيت الغضب في وجهه ثم قال: (يرحم الله موسى! لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر)، فهذا اعتراض من منافق على قسمة قسمها رسول الله، وإنها لكلمة كبرى قالها هذا المنافق في محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه يصبر ويتصبر، ويذكر إخوانه الصابرين من المرسلين، ومنهم موسى، والله تعالى يقول له: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف:٣٥].
وكم في هذه الأيام من معترض على شريعة الإسلام، وحدودها، وأحكامها، في تحريم الزنا، والربا، والقتل، وشرب الخمر، وفي تشريع الحجاب للمرأة المسلمة، وفي غيرها من أحكام الإسلام التي تشمل جميع نواحي الحياة.
ويدافع النبي صلى الله عليه وسلم عن أخيه موسى عليه السلام، ويمنع من تفضيله عليه إذا كان على وجه الحمية والعصبية وانتقاص المفضول، فقد روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (بينما يهودي يعرض سلعته أعطي بها شيئاً فقال: لا والذي اصطفى موسى على البشر! فسمعه رجل من الأنصار فلطم وجهه وقال: تقول: لا والذي اصطفى موسى على البشر والنبي صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا؟! فذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أبا القاسم! إن لي ذمة وعهداً، فما بال فلان لطم وجهي؟ فقال: لِمَ لطمت وجهه؟ فذكره، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم حتى رؤي الغضب في وجهه، ثم قال: لا تفضلوا بين أنبياء الله، فإنه ينفخ في الصور فيصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله، ثم ينفخ فيه أخرى فأكون أول من أبعث فإذا موسى آخذ بالعرش، فلا أدري أحوسب بصعقته يوم الطور أم بعث قبلي؟).
فانظروا إلى هذا التواضع من نبي الهدى صلى الله عليه وسلم، وهذا الدفاع عن موسى كليم الله عليهم جميعاً أفضل الصلاة والتسليم.
ولا شك أن الأنبياء يتفاضلون كما قال تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ} [البقرة:٢٥٣]، ولا شك أن محمداً صلى الله عليه وسلم أفضل الأولين والآخرين، وهو سيد ولد آدم، ولكن المفاضلة الخاصة بين نبيين إذا جاءت على وجه الحمية والعصبية والتنقص للمفضول فلا تجوز، والرسول صلى الله عليه وسلم هنا يعلمنا دروساً تربوية كبرى، فهو عليه الصلاة والسلام يعلم أصحابه كيف يكون احترام أنبياء الله ومعرفة منازلهم.
وإن بغضنا لليهود أو النصارى لأجل كفرهم وشركهم، وتحريفهم لكتبهم، وكفرهم وتكذيبهم بمحمد صلى الله عليه وسلم؛ كل ذلك لا يجعلنا نتعدى أو نظلم فنتكلم بكلام قد يشم منه التنقص لأنبياء الله الصادقين.
وتلك -والله- دروس تربوية من هذا النبي الكريم عليه الصلاة والسلام تعلمنا كيف تكون مدرسة الأنبياء مدرسة واحدة.
ولكن لماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لليهود: (نحن أحق بموسى منكم؟) هذا ما سنعرض له إن شاء الله لاحقاً.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم دمر أعداء الدين من اليهود والنصارى والوثنيين وأتباعهم يا رب العالمين! اللهم انصر عبادك الموحدين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم انصرهم على عدوك وعدوهم، اللهم انصرهم على عدوك وعدوهم.
اللهم من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بسوء فأشغله بنفسه، اللهم أشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً عليه يا سميع الدعاء! اللهم إنا نسألك أن توفقنا إلى الإيمان، اللهم إنا نسألك أن تثبتنا على الإيمان، اللهم أعذنا من الفتن، ما ظهر منها وما بطن، اللهم أصلح أولادنا، وبيوتنا، وجميع المسلمين يا رب العالمين! وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.