أما الدرس الأخير من دروس هذه الغزوة فهو أهمية الصدق، فإن هؤلاء الثلاثة لما صدقوا صدقهم الله سبحانه وتعالى.
يقول كعب بن مالك: فلما أنزل الله توبتي علمت أن هذا هو الصدق، فعزمت على أن لا أقع في أي شيء من الكذب بقية عمري.
وهكذا كان رضي الله عنه وأرضاه، فالصدق منجاة، فيجب على المسلم الصدق مع الله، والصدق مع النفس، والصدق مع الناس، وليحذر من الكذب والدوران والتمويه وغير ذلك، فإنه لا يمكن أن يفيد صاحبه أبداً.
فقد جاء المنافقون وكذبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: يا رسول الله! لدينا أعذار، ولدينا كذا، ولدينا كذا، فكان عاقبة ذلك أن جعل الله ذلك نفاقاً في قلوبهم، أما أولئك الصحابة الذين صدقوا ربهم سبحانه وتعالى فإن الله تبارك وتعالى قد أنزل عليهم توبة فرحوا بها فرحاً عظيماً.
يقول سعيد بن زيد: لما نزلت هذه الآية أتيت إلى بني واقفة -أهل هلال بن أمية؛ لأن هلال بن أمية واقفي- فبشرته، فسجد لله شكراً، فما ظننته يرفع رأسه حتى تخرج نفسه؛ لما كان فيه من الجهد؛ ولأنه امتنع من الطعام حتى كان يواصل الأيام صائماً لا يفتر عن البكاء.
أما كعب بن مالك فإنه لما نزلت توبته نزع ثوبيه اللذين كان لا يملك غيرهما وأعطاهما البشير، ثم استعار ثوبين وأتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهكذا عاقبة الصدق، حتى لو أن الإنسان امتحن، ولو أن الإنسان واجه ما واجه، إلا أنها عاقبة خير، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لـ كعب بن مالك:(أبشر -يا كعب - بخير يوم من أيامك)؛ لأنه يوم التوبة الذي تاب الله سبحانه وتعالى فيه على هؤلاء الثلاثة رضي الله عنهم.