ثانياً: التحذير من مشابهة اليهود والنصارى: وهذه مفارقة عملية لحياة المسلمين، وانتبهوا لها أيها الإخوة في الله! فقد جاء أكثر من حديث للنبي عليه الصلاة والسلام حذر فيه من مشابهة اليهود والنصارى والسير في طرقهم، بل صارت المشابهة أصلاً في التحريف، أي أنها جانب عرف عن الكفار واختصوا به، فلا يجوز للمسلمين أن يعملوا ذلك؛ لأنه والحالة هذه يؤدي إلى المشابهة، والرسول صلى الله عليه وسلم قد حذر من ذلك لأن اليهود والنصارى كانوا على ضلال، ولا يزالون على ضلال إلا من هداه الله.
فالرسول صلى الله عليه وسلم من أجل أن يحذر المؤمنين في حياتهم العملية والواقعية نهى عن التشبه بالكفار، وهذا التشبه لو تأملتم اليوم حياة المسلمين ستجدون عجباً! ولو طبقنا هذا لوجدنا جوانب عجيبة في حياتنا يتمثل فيها ذلك، لكن الأمر وللأسف صار بالعكس؛ حيث صارت مشابهة الكفار واليهود والنصارى مسخرة لبعض المسلمين، وانظروا كيف انقلبت الموازين وانعكست في حياتنا؛ ولهذا فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لما حذر من مشابهة اليهود والنصارى إنما هو تحذير عملي واقعي يؤدي إلى تطبيق التميز لعقيدة المسلمين، فالمؤمن يتميز في أي مكان عن أي يهودي أو نصراني أو وثني أو كافر أو مشرك، لكن إذا رضي المسلمون تلك المشابهة، ورضوا بأن يكونوا مثلهم في أخلاقهم وسلوكهم، لم يحصل تميز المؤمن من غيره، ولهذا ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في (اقتضاء الصراط المستقيم) أن المشابهة الشكلية تؤدي إلى المشابهة العقلية، فالإنسان إذا شارك قوماً في عاداتهم وأكلهم ولباسهم وغير ذلك، فإنه لا محالة تنتهي به الحالة إلى أنواع من المشابهات في أخلاقهم وسلوكهم وربما عقلهم، ولذلك حذر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك تحذيراً تاماً.