[خيرية هذه الأمة]
اسمعوا إلى هذه الآيات التي تبين الفرق بين أمة محمد صلى الله عليه وسلم وبين أهل الكتاب من اليهود وغيرهم، وكيف يكون الصراع بينهم: قال الله تبارك وتعالى عن المؤمنين: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:١١٠] انظروا إلى هذا الوصف: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ * لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ * ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} [آل عمران:١١٠ - ١١٢].
فخيرية هذه الأمة في نفسها، وخيريتها للناس حين تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وتؤمن بالله تبارك وتعالى، ومن ثم فإن خيريتها المتعدية تصل حتى إلى أهل الكتاب، وإلى الكفار، وإلى غيرهم ممن يقع في أسر المسلمين؛ لأن أسرهم بيد المسلمين خير، فقد يكون سبباً لإسلامهم، روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) قال: (خير الناس للناس تأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام)، ورواه البخاري مرفوعاً بلفظ: (عجب الله من قوم يدخلون الجنة بالسلاسل) قال العلماء: هؤلاء قوم كفار أسرهم المؤمنون المجاهدون في سبيل الله، فعرفوا بعد ذلك صحة الإسلام، فدخلوا فيه، فيدخلون في الجنة يوم القيامة، والسبب الأول أنهم أُتي بهم أسارى مقيدين.
فأنتم خير أمة في أنفسكم حينما تؤمنون بالله، وتأمرون بالمعروف، وتنهون عن المنكر، ثم تنتقل هذه الخيرية لتتعدى إلى العالمين في مشارق الأرض ومغاربها، وهذا كان يوم كنا نقوم بما أمر الله، ونحقق مدلول هذه الآية.
لقد انتقل المسلمون وعلى رأسهم الصحابة والتابعون إلى مشارق الأرض ومغاربها يبينون للناس، ويدلونهم إلى الهدى والحق حباً لنشر دين الله ورغبة في هداية الخلق أينما كانوا.
فهذه هي أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وأما أهل الكتاب فمن آمن منهم -وهم قلة- فهم إلى خير وفلاح، أما من فسق منهم وكفر -وهم الأكثرون- فقد كتب الله عليهم الهزيمة حين يقابلهم المؤمنون الصادقون، قال تعالى: (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ) قال ابن عباس رضي الله عنهما وغيره: أي: بعهد من الله، وعهد من الناس.
وقال ابن كثير رحمه الله: أي: ألزمهم الله الذلة والصغار أينما كانوا فلا يأمنون إلا (بحبل من الله) أي: بذمة من الله، وهو عقد الذمة، وضرب الجزية عليهم، وإلزامهم أحكام الملة، (وحبل من الناس) أي: أمان منهم لهم كما في المهادن والمعاهد والأسير إذا أمنه واحد من المسلمين ولو امرأة وكذا عبد على أحد قولي العلماء.
(وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ) أي: ألزموا فالتزموا بغضب من الله، وهم يستحقونه.
(وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ) أي: ألزموها قدراً وشرعاً؛ ولهذا قال: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ) أي: إنما حملهم على ذلك الكبر والبغي والحسد، فأعقبهم ذلك الذل والصغار والمسكنة أبداً متصلاً بذلة الآخرة.
إن من يحارب الله ورسوله وعباده المؤمنين، فلابد أن يكتب الله عليهم الهزيمة والذلة والصغار، ولهذا عاش اليهود في ذلة وصغار، وسيعيشون -إن شاء الله- في ذلة وصغار إلى أن يقتلهم عيسى بن مريم ومن معه من أمة محمد صلى الله عليه وسلم في آخر الزمان، حتى أن الشجر والحجر في تلك الملاحم لينطق ويقول: يا أيها المسلم! إن ورائي يهودياً فتعال فاقتله.
لقد ابتلى الله تعالى اليهود بسبب خبثهم ففرقهم، قال الله تعالى عنهم: {وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأَرْضِ أُمَمًا} [الأعراف:١٦٨].
أيها الإخوة المؤمنون! إن هذه الحقائق ثابتة لا تتغير أبداً؛ لأنها لم تستق من كلام بشر، ولا من معاهدة ولا من غيرها، وإنما استُقيت هذه الحقائق من كلام رب العالمين تبارك وتعالى، وسواء منها ما يتعلق بدين الإسلام الذي لا يقبل الله من أحد سواه كائناً من كان، أو ما يتعلق بطبائع أهل الكتاب عموماً واليهود خصوصاً، فنحن -والحمد لله- أحق بموسى وداود وسليمان وعيسى وغيرهم من أنبياء الله تبارك وتعالى من هؤلاء الذين كفروا وأشركوا بالله ما لم ينزل به عليهم سلطاناً.