يقول بعد أن ذكر إسلامه وتعلقه بالقرآن وهو عبد مملوك، يقول: وكان منا -أي: من العبيد المملوكين- من يؤدي الضرائب لمالكيه، ومنا من يقوم على خدمتهم، وكنت واحداً من هؤلاء -يعني: من هؤلاء الذين يقومون على خدمة أسيادهم- ولكن كنا نختم القرآن كل ليلة، فشق ذلك علينا فجعلنا نختمه مرة كل ليلتين، فشق ذلك علينا فجعلنا نختمه كل ثلاث، فشق ذلك علينا لما كنا نعانيه من جهد في النهار وسهر في الليل.
فهل تعقد نفسياً وهو عبد مملوك؟! لا.
بل رفعه القرآن محلقاً إلى السماء، فصار يؤدي حق سيده وحق ربه؛ لأنه يعلم أنه إذا قدم يوم القيامة إلى ربه فلا فرق بينه وبين سيده في الحساب والجزاء.
عبد مملوك يحيي القرآن كل ليلة، ويخدم أسياده بإخلاص في النهار، ويشق ذلك عليه ويتحول إلى الحفظ والقراءة كل ليلتين ثم إلى كل ثلاث.
قال: فلقينا بعض أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وشكونا لهم ما نكابده من السهر وقراءة كتاب الله مع قيامنا بخدمة موالينا فقالوا لنا: اختموه كل جمعة مرة فأخذنا بما أرشدونا إليه فجعلنا نقرأ القرآن طرفاً من الليل وننام طرفاً فلم يشق ذلك علينا.
أيها الأخ في الله! هؤلاء عبيد مملوكون حدثاء عهد بالإسلام فأين أمة الإسلام من القرآن؟! وبقيت في حياته حكايات وقصص، فقد آل أمره إلى امرأة من بني تميم، وكانت سيدة فاضلة مؤمنة، فكانت لا تشق عليه في الخدمة، حيث كان يخدمها بعض النهار ويرتاح في بعضه الآخر، فأخذ مع حفظ القرآن يتعلم القراءة والكتابة وطلب العلم وعلى رأسه القرآن وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأت عبادته خرجت معه في صلاة الجمعة وقالت أمام الناس في الجمعة: اشهدوا -يا معشر المسلمين- أني أعتقت غلامي هذا رغبة في ثواب الله وطمعاً بعفوه، وليس لأحد عليه من سبيل إلا سبيل المعروف.
ثم نظرت إليه وقالت: اللهم إني أدخره عندك ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون.