الصبي أمر السلطان بدفع المال إليه، قال ابن أبي موسى: فضاقت عليَّ الدنيا فبكرت على بغلتي إلى الكرخ، فوقفت على باب مسجد دعلج، فصليت
خلفه الفجر، فلما انفتل رحب بي، ودخلنا داره فقدم هريسة فأكلنا وقصرت، فقال: أراك منقبضا فأخبرته، فقال: حاجتك مقضية، فلما فرغ وزن لي عشرة آلاف دينار، وقمت أطير فرحا، ثم أعطيت الصبي المال، وعظم ثناء الناس عليَّ فاستدعاني أمير من أولاد الخليفة، فقال: قد رغبت في معاملتك، وتضمينك أملاكي، فضمنت منه، وأربحت ربحا مفرطا، حتى كسبت في ثلاثة أعوام ثلاثين ألف دينار، فحملت إلى دعلج ذهبه، فقال: ما خرجت والله الدنانير عن يدي، ونويت ألا آخذ عوضها فَحَلِّ بها الصبيان، فقال: أيها الشيخ، أي شيء أصل هذا المال، حتى تهب لي منه عشرة آلاف دينار؟ فقال: نشأت، وحفظت
القرآن، وطلبت الحديث، وتاجرت فوافاني تاجر، فقال: أنت دعلج، فقلت: نعم، فقال: قد رغبت في تسليم مالي إليك مضاربة، وسلم إلي برنامجا بألف ألف درهم، وقال: ابسط يدك فيه، ولا تعلم موضعا تفقه إلا حملت إليه منه، ولم يزل يتردد إليَّ سنة بعد سنة، تحمل إلي مثل هذا، والمال ينمو، فلما كان في آخر سنة اجتمعنا، قال لي: أنا كثير الأسفار في البحر، فإن قضى الله علي بقضاء، فهذا المال كله لك على أن تتصدق منه، وتبنى المساجد.
قال دعلج: فأنا أفعل مثل هذا، وقد نمى الله المال في يدي فاكتم علي ما عشت.
وذكر أبو ذر الهروي: أنه بلغه أن دعلج لما مات، ترك ثلاث مائة ألف دينار، أخذها معز الدولة في يومه.
وقال غيره: توفي في جمادى الآخرة سنة إحدى وخمسين وثلاث مائة، عن تسعين سنة، رحمه الله.