لفنون الفلسفة بارعا في أصول الفقه، مفرط الذكاء فصيح الركان، كأنه لم يناظر أحدًا إلا أربى عليه، وكان علمه من أكثر عقله، قال فخر الدين المارديني: ما أدل هذا الشاب وأفصحه إلا أني أخشى عليه لكثرة نهوله، وانبهاره هلاكه، وذكر أن الفقهاء لما قربه الملك الظاهر غازي صاحب حلب قاموا عليه، وكتبوا إلى الملك الناصر صلاح الدين أنه يخشى أن يفسد عقيدة ولده غازي، فكتب صلاح
الدين إلى ولده الظاهر غازي بخط القاضي الفاضل أنه لا بد من قتله، ولا سبيل إلى أن يطلق ولا ينفى بوجه، فلما لم يبق إلا قتله، اختار هو أن يترك في بيته حتى يموت جوعا، ففعل به ذلك في أواخر سنة ست وثمانين، وعاش ستا وثلاثين سنة، قلت: إنما ذكرته في الطبقات ليعرف حاله، وليفرق بينه وبين الشيخ شهاب الدين السهروردي شيخ الصوفية، وأحد الصالحين الآتي ذكره في الطبقة التاسعة، وله من المصنفات التلويحات اللوحية والعرشية، وكتاب هياكل النور، وكتاب المعارج، وكتاب حكمة الإشراق، وكتاب المطارحات، وكتاب اللمحة وغير ذلك من الكتب المشتملة على الفلسفة، وعلم الأوائل التي
ساقها، قدر الله بسببها إلى قتله، وجعله مثلة بين الناس يرتدع به من كان على طريقته، ومنهجه، ولو أنه اقتفى بالآثار النبوية والأخبار المصطفوية المنقولة بالسند الصحيح عن خير البرية لأحسن من هذه البلية ولرفع يوم القيامة إلى الجنة العلية، ولكن كان ما وقع به مقدورًا، وكان على جبينه مسطورا.
[الملك الناصر صلاح الدين يوسف]
فاتح بيت المقدس، وباني الآثار الحسنة، وناصر الدين أسكنه الله تعالى الجنة بمنه وكرمه يوسف بن الأمير نجم الدين أبي المظفر أيوب بن شادي بن مروان بن يعقوب الديلي.
الملك الناصر صلاح الدين الذي فتح بيت المقدس من أيدي