[فصل في ذكر فضائله، وثناء الأئمة عليه، رحمهم الله أجمعين]
أنا شَيْخُنَا الإِمَامُ الْعَالِمُ الْحَافِظُ الْحُجَّةُ جَمَالُ الدِّينِ أَبُو الْحَجَّاجِ يُوسُفُ ابْنُ الزَّكِيِّ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يُوسُفَ الْمِزِّيُّ، أنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ ابْنُ الْبُخَارِيِّ الْمَقْدِسِيُّ، أنا أَبُو الْيَمَنِ زَيْدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ زَيْدٍ الْكِنْدِيُّ، أنا أَبُو مَنْصُورٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ الشَّيْبَانِيُّ، أنا الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ، أنا أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ الأَصْبَهَانِيُّ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ
بْنِ فَارِسٍ، ثنا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، ثنا دَاوُدُ، هُوَ: الطَّيَالِسِيُّ، ثنا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ مَعْبَدٍ الْكِنْدِيِّ، أَوِ الْعَبْدِيِّ، عَنِ الْجَارُودِ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا تَسُبُّوا قُرَيْشًا فَإِنَّ عَالِمَهَا يَمْلأُ الأَرْضَ عِلْمًا، اللَّهُمَّ إِنَّكَ أَذَقْتَ أَوَّلَهَا عَذَابًا، أَوْ وَبَالا، فَأَذِقْ آخِرَهَا نَوَالا» .
هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَلَمْ يُخَرِّجْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ، وَقَدْ رَوَاهُ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُؤَذِّنُ، ثنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدٍ , هُوَ: أَبُو نُعَيْمٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ، ثنا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ، ثنا ابْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «اللَّهُمَّ اهْدِ قُرَيْشًا فَإِنَّ عَالِمَهَا يَمْلأُ طِبَاقَ الأَرْضِ عِلْمًا، اللَّهُمَّ كَمَا أَذَقْتَهُمْ عَذَابًا فَأَذِقْهُمْ نَوَالا» .
وَدَعَا بِهَا ثَلاثَ مَرَّاتٍ، قال عبد الملك بن محمد أبو نعيم: هذه الصفة لا تنطبق إلا على الشافعي، رضي الله عنه، هذا حاصل كلامه
وبالإسناد المتقدم إلى الخطيب: أنا أبو نعيم الحافظ، ثنا عبد الله بن جعفر بن أحمد بن فارس، ثنا إسماعيل بن عبد الله بن مسعود العبدي، ثنا عثمان بن صالح، ثنا ابن وهب، أخبرني سعيد بن أبي أيوب، عن شراحيل بن يزيد، عن أبي علقمة، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: لا أعلمه إلا عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: «إن الله يبعث إلى هذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها»
قال البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثني أبو الفضل بن أبي نصر العدل، أخبرنا أبو الحسن، محمد بن أيوب بن يحيى بن حبيب، بمصر: سمعت أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزاز، يقول: سمعت عبد الملك الميموني، يقول: كنت عند أحمد بن حنبل، وجرى ذكر الشافعي، فرأيت أحمد يرفعه، وقال: يروى عن النبي، صلى الله عليه وسلم: «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يقرر لها دينها» ، فكان عمر بن عبد العزيز، رضي الله عنه: على رأس المائة، وأرجو أن يكون الشافعي عل رأس المائة الأخرى.
قال البيهقي: وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، حدثنا أبو عبد الله، محمد بن العباس العصمي، حدثنا أبو إسحاق أحمد بن محمد بن ياسين الهروي، سمعت إبراهيم بن إسحاق الأنصاري، يقول: سمعت المروروذي، يقول: " قال أحمد بن حنبل: إذا سئلت عن مسألة، لا أعرف فيها خبرا، قلت فيها بقول الشافعي، رضي الله عنه، لأنه إمام عالم من قريش، وقد روى عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «عالم قريش يملأ الأرض علما» ، وذكر في الخبر: «إن الله يقيض في رأس كل مائة سنة رجلا يعلم الناس دينهم» .
وروى أحمد بن حنبل ذلك عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال أحمد: فكان في المائة الأولى: عمر بن عبد العزيز، رضي الله عنه، وفي المائة الثانية: الشافعي، رضي الله عنه، قال أبو عبد الله: وإني لأدعو للشافعي منذ أربعين سنة في صلاتي، وقال أبو سعيد الفريابي: قال أحمد بن حنبل: «إن الله يقيض للناس في رأس كل مائة سنة من يعلمهم السنن، وينفي عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الكذب» ، فنظرنا، فإذا في رأس المائة: عمر بن عبد العزيز، وفي رأس المائتين: الشافعي، رضي الله عنهما.
وقال عبد الرحمن بن مهدي: سمعت مالكا يقول: ما يأتيني قرشي أفهم من هذا الفتى، يعني: الشافعي.
وقال ابن عبدي: سمعت عبدان، يقول: سمعت عمرو بن العباس يقول: قيل لعبد الرحمن بن مهدي: إن الشافعي لا يورث المرتد؟ فقال عبد الرحمن: إن الشافعي شاب مفهم، لأن رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: «لا يتوارث أهل ملتين» .
وقال أبو ثور: كتب عبد الرحمن بن مهدي إلى الشافعي، رضي الله عنه، وهو شاب أن يضع له كتابا فيه معاني القرآن، ويجمع قبول الأخبار فيه، وحجة الإجماع، وبيان الناسخ المنسوخ من القرآن والسنة، فوضع له كتاب الرسالة.
قال عبد الرحمن: ما أصلي صلاة إلا وأنا أدعو الله للشافعي فيها.
وقال ابن أبي الدنيا: سمعت أبا بكر بن خلاد يقول: سمعت ابن مهدي يقول: أنا أدعو الله في دبر صلاتي للشافعي.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح، قال: أخبرت عن يحيى بن سعيد القطان، أنه قال: إني لأدعو الله للشافعي، في كل صلاة، أو في كل يوم، يعني: لما فتح الله عليه من العلم، ووفقه للسداد فيه.
وقال الحافظ أبو أحمد بن الحسين البيهقي، رحمه الله: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني الزبير بن عبد الواحد، سمعت الحسن بن سفيان، سمعت الحارث بن سريج النقال، قال: سمعت يحيى بن سعيد القطان، يقول: أنا أدعو الله للشافعي، أخصه بذلك، وبه قال الزبير بن عبد الواحد، سمعت عبدان الأهوازي، يقول، حدثني محمد بن الفضل: حدثنا هارون قال: ذكر يحيى بن سعيد القطان الشافعي، فقال: ما رأيت أعقل، أو أفقه، منه، قال: وعرض عليه كتاب الرسالة له، وروى الحافظ ابن عساكر، عن ابن مهدي أنه، قال: لما نظرت في كتاب الرسالة للشافعي أذهلتني، لأني رأيت كلام رجل عاقل فصيح ناصح، وإني
لأكثر الدعاء له.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَوْحٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ الشَّافِعِيِّ، قَالَ: كُنَّا فِي مَجْلِسِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، وَالشَّافِعِيُّ حَاضِرٌ، فَحَدَّثَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَرَّ بِهِ رَجُلٌ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ، وَهُوَ مَعَ امْرَأَتِهِ صَفِيَّةَ، فَقَالَ: «تَعَالَ، هَذِهِ امْرَأَتِي صَفِيَّةُ» .
فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَقَالَ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ الإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ»
فقال ابن عيينة للشافعي، رضي الله عنه: ما فقه هذا الحديث يا أبا عبد الله؟ قال: إن كان القوم اتهموا رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كانوا، بتهمتهم إياه، كفارا، لكن رسول الله، أدب من بعده، فقال: إذا كنتم هكذا، فافعلوا هكذا، حتى لا يظن بكم، لا أن النبي، صلى الله عليه وسلم، يتهم، وهو أمين الله في أرضه، فقال ابن عيينة: جزاك الله خيرا يا أبا عبد الله، ما يجيئنا منك إلا كل ما نحبه.
وقال زكريا الساجي: حدثني ابن بنت الشافعي، رضي الله عنه، قال: سمعت أبي وعمي يقولان: كنا عند ابن عيينة، وكان إذا جاءه شيء من التفسير والفتيا يسأل عنها، يلتفت إلى الشافعي فيقول: سلوا هذا.
وقال أبو سعيد زياد: حدثنا تميم بن عبد الله أبو محمد: سمعت سويد بن سعيد، يقول: كنا عند سفيان بن عيينة بمكة، فجاء الشافعي، فسلم عليه وجلس، فروى ابن عيينة حديثا رقيقا، فغشى على الشافعي، فقيل: يا أبا محمد! ما ابن إدريس، فقال عيينة: إن كان مات ابن إدريس فقد مات أفضل أهل زمانه.
وقال الدارقطني: حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن سهل النابلسي الشهيد، حدثنا أحمد بن محمد بن زياد الأعرابي، سمعت تميم بن عبد الله الرازي، سمعت أبا زرعة، سمعت قتيبة، يقول: مات الثوري، ومات الورع، ومات الشافعي ومات السنن، ويموت أحمد بن حنبل كذا وتظهر البدع.
وقال قتيبة بن سعيد: الشافعي إمام.
وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: ما رأيت رجلا أعقل من الشافعي، وفي رواية: ما رأيت رجلا قط أعقل ولا أورع ولا أفصح من الشافعي، وقال يونس بن عبد الأعلى: ما رأيت أحدا أعقل من الشافعي، لو جمعت أمة فجعلت في عقل الشافعي، لوسعهم عقله.
وروى الحافظ أبو القاسم ابن عساكر، عن الربيع، أنه قال: لو وزن عقل الشافعي بنصف عقل أهل الأرض، لرجحهم، ولو كان في بني إسرائيل احتاجوا إليه.
وعن معمر بن شبيب قال: سمعت المأمون يقول: قد امتحنت محمد بن إدريس في كل شيء فوجدته كاملا.