[إبراهيم بن علي بن يوسف بن عبد الله الشيخ أبو إسحاق الشيرازي]
الشيخ الإمام العلامة جمال الدين أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف بن عبد الله الفيروزابادي، نسبة إلى بلد تسمى فيروزاباد، من بلاد شيراز، ولد سنة سبعين، وقيل: سنة ثلاث وسبعين وثلاث مائة، وسمع الحديث من الحافظ أبي بكر البرقاني، وأبي علي بن شاذان، وأبي عبد الله الصوري الحافظ، وأبي الفرج محمد بن عبيد الله الخرجوشي الشيرازي وغيرهم، وروى عنه خلق منهم الحافظ أبو بكر الخطيب ومات قبله، والفقيه أبو الوليد الباجي، والإمام أبو عبد الله الحميدي، وأبو القاسم السمرقندي، وأبو البدر إبراهيم بن محمد الكرخي، ويوسف بن أيوب الهمداني، وأبو نصر أحمد بن محمد الطوسي،
وأبو الحسن عبد السلام، وحدث ببغداد وهمدان ونيسابور وغيرها من البلاد، ودرس أصول الكلام على أبي حاتم القزويني صاحب القاضي أبي بكر الباقلاني، وتفقه بفارس على أبي عبد الله بن البيضاوي، وأبي أحمد عبد الوهاب بن رامين، وبالبصرة على الخرزي، وقرأ على أبي القاسم الداركي، ثم دخل بغداد سنة خمس عشرة وأربع مائة في شوالها، وقيل: سنة ثمانية عشر، فتفقه على الإمام أبي الطيب الطبري ولازمه، واشتهر به وأعاد عنده، ودرس بمسجد باب المراتب، قال رحمه الله: فكنت أعيد الدرس مائة مرة، وأعيد القياس ألف مرة، وإذا كان في المسألة شاهد من شعر العرب حفظت تلك القصيدة بكمالها،
فلهذا برز رحمه الله على أهل زمانه، وتقدم على ضربائه وأقرانه، وانتهت إليه رئاسة المذهب، إذ اختصر التنبيه وبسط المهذب مع الزهد والديانة والعفة والأمانة والبلاغة والفصاحة والرياضة والسماحة، وقد ذكر أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامه، فقال له: يا شيخ، فكان يفرح، ويقول: سماني رسول الله صلى الله عليه وسلم شيخًا.
قال الحافظ أبو سعد السمعاني: كان الشيخ أبو إسحاق إمام الشافعية المدرس ببغداد في النظامية، شيخ الدهر وإمام العصر، رحل إليه الناس من الأمصار، وقصدوه من كل الجوانب والأقطار، وكان يجرى مجرى أبي العباس بن سريج، قال: وكان زاهدًا ورعًا متواضعًا ظريفًا كريمًا جوادًا سخيًا طلق الوجه دائم البشر، حسن المجالسة مليح المحاورة، وكان يحكي الحكايات الحسنة والأشعار المبتدعة المليحة، ويحفظ منها شيئًا كثيرًا، وكان يضرب به المثل في الفصاحة.
وقال الإمام أبو سعد السمعاني: تفرد الإمام أبو إسحاق الشيرازي بالعلم الوافر كالبحر الزاخر، مع السيرة الجميلة والطريقة المرضية، جاءته الدنيا صاغرة، فأباها واطرحها وقلاها، قال: وكان عامة المدرسين بالعراق والجبال تلاميذه وأشياعه، صنف في الأصول والفروع والخلاف والمذهب، كسا أصحاب الدين والإسلام أنجمًا وشهبًا.
قلت: وممن أخذ عنه العلم الإمام العلامة أبو الوفاء بن عقيل الحنبلي، ذو الفنون، وقال: شهدت شيخنا أبا إسحاق لا يخرج شيئًا إلى فقير إلا أحضر إليه، ولا يتكلم في مسألة إلا قدم الاستعانة بالله عز وجل، وأخلص القصد في نصرة الحق، ولا صنف مسألة إلا بعد أن يصلي ركعتين، فلا حرم سماع اسمه، وانتشرت تصانيفه شرقًا وغربًا، لبركة إخلاصه.
وحكى الحافظ أبو عبد الله بن النجار في تاريخه عن أبي بكر محمد بن أحمد بن الخاضبة، قال: سمعت بعض أصحاب الشيخ أبي إسحاق، قال: رأيت الشيخ يركع ركعتين عند فراغ كل فصل من المهذب، وقال أبو سعد السمعاني: سمعت الرئيس أبا الحسن علي بن هبة الله بن عبد السلام الكاتب مذاكرة، يقول: كان عميد الدولة بن جهير الوزير كثيرًا ما يقول: الشيخ الإمام أبو إسحاق وحيد عصره فريد دهره مستجاب الدعوة، وكان الوزير أبو علي نظام الملك يثني عليه، ويقول: كيف حالي مع رجل لا يفرق بيني وبين نهروز الفراش في المخاطبة؟ قال لي: بارك الله فيك، وقال له لما صب عليه كذلك.
وحكى السمعاني أن الشيخ رحمه الله دخل إلى بعض المساجد، فأكل شيئًا ثم انصرف، وقد نسي فيه دينارًا، فلما رجع وجده، فأبى أن يأخذه، وقال: لعل هذا سقط من غيري، والذي نسيته أخذه آخذ، وحكى أنه ربما دخل هو وأصحابه إلى بعض المساجد ليأكلوا طعامًا، فيتركون منه مقدرًا جيدًا لمن يريده من الفقراء والمحاويج، وأنه بعث رجلًا يشتري له بقرصة شيئًا على قرصة أخرى، فلما جاء قال: لعله أشبه عليك القرصة التي وكلتك في الشراء بها بالأخرى، وأبى أن يأكله.
وقال أبو سعد السمعاني: كان يتوسوس في الطهارة، سمعت عبد الوهاب الأنماطي يقول: كان الشيخ أبو إسحاق يتوضأ في الشط فيغسل وجهه مرات، فقال له رجل: يا شيخ، أما تستحيي تغسل وجهك كذا وكذا مرة، فقال له: لو صح لي الثلاث ما زدت عليها، ونقل الشيخ أبو زكريا النواوي في أول شرح المهذب أنه كان يومًا يمشي ومعه بعض أصحابه، فعرض في الطريق كلب، فزجره صاحبه، فنهاه الشيخ، وقال: أما علمت أن الطريق بيني وبينه مشتركة.
وقال أبو سعد السمعاني: سمعت القاضي أبا بكر محمد بن عبد الباقي بن محمد الأنصاري، يقول: حملت فتوى إلى ذلك الشط لأستفتي الشيخ أبا إسحاق، فرأيته في الطريق وهو يمشي، فمضى إلى دكان الخباز أو بقال، فأخذ قلمه ودواته وكتب جوابه ومسح القلم في ثوبه وأعطاني الفتوى.
وقال السمعاني: سمعت القاضي أبا بكر محمد بن القاسم الشهرزوري بالموصل يقول: كان شيخنا أبو إسحاق إذا خطأ أحد بين يديه، وقال: أي سكتة فاتتك، قال: وسمعت محمد بن علي الخطيب، سمعت محمد بن محمد بن يوسف القاشاني بمرو، سمعت محمد بن عمر بن هانئ القاضي، يقول: إمامان ما اتفق لهما الحج أبو إسحاق والقاضي أبو عبد الله الدامغاني، أما أبو إسحاق فكان فقيرًا، ولكن لو أراد لحملوه على الأعناق، والدامغاني لو أراد الحج على السندس والإستبرق لأمكنه.
قلت: أما فقر الشيخ فعذر واضح له في ترك الحج، فإنه كان متقللًا من الدنيا من مبتدئه إلى آخر عمره رحمه الله، فقد حكي عنه، أنه قال: كنت أشتهي ثريدًا بماء الباقلاء أيام اشتغالي، فما صح لي أكله لاشتغالي بالدرس وأخذي النوبة، وذكر السمعاني أنه قال: قال أصحابنا ببغداد: كان الشيخ أبو إسحاق إذا بقي مدة لا يأكل شيئًا صعد إلى النصرية وله فيها صديق، فكان يثرد له رغيفًا ويشربه بماء الباقلاء، فربما صعد إليه وقد فرغ، فيقول الشيخ أبو إسحاق: {تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ} [النازعات: ١٢] .
وقال الفقيه أبو بكر الطرطوشي المالكي: أخبرني أبو العباس الجرجاني القاضي بالبصرة، قال: كان الشيخ أبو إسحاق لا يملك شيئًا من الدنيا، فبلغ به الفقر حتى لا يجد قوتًا ولا ملبسًا، ولقد كنا نأتيه وهو ساكن في القطيعة، فيقوم لنا نصف قومة، كي لا يظهر منه شيء من العري، وكنت أمشي معه، فتعلق به باقلاني، فقال: يا شيخ أفقرتني وكسرتني وأكلت رأس مالي، ادفع إلي ما عندك، فقلنا: وكم لك عنده؟ فقال: أظنه حبتين ذهبًا، أو حبتين ونصف، وذكر الحافظ أبو عبد الله الذهبي أنه قرئ بخط ابن الأنماطي، أنه وجد بخط أبي علي الحسن بن أحمد الكرماني الصوفي الذي غسل الشيخ أبا إسحاق،
أنه سمعه، يقول: ولدت سنة تسعين وثلاث مائة، ودخلت بغداد سنة ثماني عشرة وأربع مائة، ومات ولم يترك درهما ولا عليه درهم، وكذلك كان يقضي عمره.
قلت: هذا، وقد نال من رئاسة العلم مبلغًا كبيرًا، وعظم تعظيمًا زائدًا، وهو أول من درس في المدرسة النظامية ببغداد، بعد أن درس بها ابن الصباغ نحوًا من عشرين يومًا، وذلك أنه لما كملت وقد رسم أن يدرس بها الشيخ أبو إسحاق، واجتمع الناس بها خرج للدرس، فلقيه شهاب الدين، فقال: يا شيخ كيف يحل لك أن تدرس بمدرسة مغصوبة؟ فذهب وبقيت، فلما تعذر حصوله أحضر الإمام أبو نصر ابن الصباغ فدرس بها، فلما وصل الخبر إلى نظام الملك أبى ذلك، وأمر أن يدرس الشيخ أبو إسحاق، فقال: ما بنيناها إلا على اسمه، وتنصل مما نسب إلى المدرسة من الغصب، فدرس بها الشيخ إلى أن توفي.
ولما ندبه الإمام المقتدر بأمر الله أمير المؤمنين للرسالة إلى البلاد الشرقية، وذلك في ذي الحجة من سنة خمس وسبعين وأربع مائة، ذكر أنه لما شاقه أمير المؤمنين بالرسالة، قال: وما ندري أنا بك أمير المؤمنين وأنا لم أرك قبل هذا قط؟ فتبسم وأعجبه ذلك وأحضر له من عرفه به، فلما خرج الشيخ في الرسالة خرج معه جماعة من أعيان أصحابه، قال السمعاني: لما خرج الشيخ أبو إسحاق إلى نيسابور خرج في صحبة جماعة من تلامذته كانوا أئمة الدنيا، كأبي بكر الشاشي، وأبي عبد الله الطبري، وأبي معاذ الأندلسي، والقاضي علي الميانجي، وأبي الفضل بن فتيان قاضي البصرة، وأبي الحسن الآمدي،
وأبي القاسم الزنجاني، وأبي علي البارقي، وأبي العباس ابن الرطبي.
قال السمعاني: وسمعت جماعة يقولون: لما قدم أبو إسحاق رسولًا إلى نيسابور تلقاه الناس لما قدم، وحمل الإمام أبو المعالي الجويني غاشية فرسه ومشى بين يديه، وقال: أنا أفتخر بهذا.
قال السمعاني: وكان عامة المدرسين بالعراق والجبال تلاميذه وأشياعه وأتباعه، وكفاهم بذلك فخرا.
وحكي عن الشيخ أبي إسحاق، أنه قال: خرجت إلى خراسان فما دخلت بلدة ولا قرية إلا كان قاضيها أو خطيبها أو مفتيها تلميذي أو من أصحابي.
وذكر الحافظ ابن النجار أن الشيخ لما ورد بلاد العجم كان يخرج إليه أهلها بنسائهم وأولادهم، فيمسحون أردانهم، ويأخذون تراب نعليه يستشفون به، ولما وصل إلى ساوة خرج صوفياتها وفقهاؤها وشهودها، وكلهم أصحاب الشيخ يخدمونه، وكان كل واحد يسأله أن يحضر في بيته ويتبرك بدخوله وأكله، قال: وخرج جميع من كان في البلد من أهل الصناعات، ومعهم من الذين يتبعونه طرفا ينشرونه على محفته، وخرج الخبازون ينثرون الخبز وهو ينهاهم ويدفعهم من حواليه ولا ينتهون، وخرج من بعدهم أصحاب الفاكهة والحلوى وغيرهم، وفعلوا كفعلهم، ولما بلغت النوبة إلى الأساكفة خرجوا وقد عملوا مداسات لطيفة
للصغار ونثروها، فجعلت تقع على رءوس الناس، والشيخ أبو إسحاق يتعجب، فلما انتهوا بدأ يداعبنا ويقول: رأيتم النثار ما أحسنهم، أي شيء وصل إليكم منه، فنقول لعلمنا أن ذلك يعجبه: يا سيدي، وأنت أي شيء كان حظك منه، فيقول: أنا غطيت رأسي بالمحفة، قال: وخرج إلينا المتعبدات ومعهن السبح، فجعلن يلقين سبحهن إلى محفته ليلمسهن بيده، ليحصل لهن البركة، فجعل يمرهن على يديه، ويتبرك بهن ويقصد في حقهن ما قصدن في حقه، وقال شيرويه الديلمي في تاريخ همدان: أبو إسحاق الشيرازي إمام عصره، وقدم علينا رسولًا من أمير المؤمنين إلى السلطان ملك شاه، سمعت منه ببغداد وهمدان وكان ثقة
فقيهًا زاهدًا في الدنيا على التحقيق أوحد زمانه.
قلت: وقد اجتمع في رحلته هذه بإمام الحرمين لما ورد نيسابور كما تقدم، وحمل الغاشية بين يدي الشيخ، وقال: أنا أفتخر بهذا، ويقال: إنهما تناظرا، فعلاه الشيخ أبو إسحاق بالحجة لاقتداره على طريقة الجدل والبحث، هذا مع اتساع إمام الحرمين في العلم والفصاحة والخطابة والتحصيل، وكان الفقيه أبو الحسن محمد بن عبد الملك الهمداني حكى أبي قال: حضرت مع قاضي القضاة أبي الحسن الماوردي عزاء، وكان قبل سنة أربعين يعني وأربع مائة، فتكلم الشيخ أبو إسحاق فأجاد، فلما خرجنا قال الماوردي: ما رأيت كأبي إسحاق، لو رآه الشافعي لتجمل به.
وقال الإمام أبو بكر الشاشي مصنف المستظهري، وهو تلميذ الشيخ أبي إسحاق: شيخنا أبو إسحاق حجة الله على أئمة العصر، وقال الموفق الحنفي: الشيخ أبو إسحاق أمير المؤمنين فيما بين الفقهاء.
وقال الحافظ أبو طاهر السلفي: سألت شجاعًا الذهلي عن أبي إسحاق، فقال: إمام أصحاب الشافعي، والمقدم عليهم في وقته ببغداد، وكان ثقة ورعًا صالحًا عالمًا بمعرفة الخلاف علمًا لا يشاركه فيه أحد.
وقال الحافظ أبو سعد السمعاني: أنا أبو القاسم حيدر بن محمود الشيرازي بمرو، قال: سمعت الشيخ أبا إسحاق، قال: كنت نائمًا ببغداد، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر وعمر، فقلت: يا رسول الله، بلغني عنك أحاديث كثيرة عن ناقلي الأخبار، فأريد أن أسمع منك خبرًا أشرف به في الدنيا، وأجعله ذخرة للآخرة، فقال: يا شيخ، وسماني شيخا، وخاطبني به، وكان يفرح بهذا، ثم قال: قل عني: من أراد السلامة فليطلبها في سلامة غيره، وهذا المنام عليه لوائح الصدق، فإن الفقهاء لهجوا بتسمية الشيخ أبي إسحاق، ولما رواه في المنام شاهد في الصحيح، وهو قوله عليه السلام:
«المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده» ، أي: من أراد أن يسلم، فليسلم الناس منه، فإن الجزاء من جنس العمل.
وقال السمعاني: رأيت بخط الشيخ أبي إسحاق رقعة فيها: بسم الله الرحمن الرحيم نسخة ما رآه الشيخ السيد أبو محمد عبد الله بن الحسن بن نصر المؤيدي رحمه الله تعالى رأيت في النوم سنة ثمان وستين وأربع مائة ليلة الجمعة أن أبا إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزابادي طول الله عمره في منامي يطير مع أصحابه في السماء الثالثة أو الرابعة، فتحيرت، وقلت في نفسي: هذا هو الشيخ الإمام مع أصحابه يطير، وأنا معهم استعظامًا لتلك الحال والرؤية.
قلت: في هذه الفكرة إذ تلقى الشيخ ملك وسلم عليه من الرب تبارك وتعالى، وقال له: إن الله يقرأ عليك السلام، ويقول: ما الذي تدرس لأصحابك؟ فقال له الشيخ: أدرس ما نقل عن صاحب الشرع، فقال له الملك: فاقرأ علي شيئًا لأسمعه، فقرأ عليه الشيخ مسألة لا أذكرها، فاستمع إليه الملك وانصرف، وأخذ الشيخ يطير هو وأصحابه معه، فرجع ذلك الملك بعد ساعة، وقال للشيخ: إن الله يقول: الحق ما أنت عليه وأصحابك، فادخل الجنة معهم.
وقال السمعاني: صنف الشيخ أبو إسحاق المهذب في المذهب والتنبيه، واللمع وشرحه، والمعونة في الجدل، والملخص وغير ذلك.
قلت: صنف المهذب من تعليق الشيخ أبي حامد الإسفراييني، وابتدأ في تصنيفه من سنة خمس وخمسين، وفرغه يوم الأحد سلخ رجب من سنة تسع وستين، فمكث في تصنيفه أربع عشرة سنة، وأما التنبيه فاختصر من طريقة الشيخ أبي الطيب الطبري شيخه، وله أيضًا النكت، والتبصرة، وطبقات الفقهاء، ومن كلامه الحسن: العلم لا ينتفع به صاحبه أن يكون الرجل عالمًا ولا يكون عاملًا، ثم أنشد لنفسه رحمه الله:
علمت ما حلل المولى وحرمه ... فاعمل بعلمك إن العلم للعمل
وقال أيضًا: الجاهل بالعالم لم يقتد، فإذا كان العالم لا يعمل، فالجاهل ما يرجو من نفسه، فالله الله يا أولادي، نعوذ بالله من علم يصير حجة علينا، ومن شعره:
أحب الكأس من غير المدام ... وألهو بالحسان بلا حرام
وما حبي لفاحشة ولكن ... رأيت الحب أخلاق الكرام
وله أيضًا:
سألت الناس عن خل وفي ... فقالوا ما إلى هذا سبيل
وله أيضًا:
تمسك إن ظفرت بود حر ... فإن الحر في الدنيا قليل
وله أيضًا:
حكيم رأى النجوم حقيقة ... ويذهب في أحجامها كل مذهب
يخبر عن أفلاكها وبروجها ... وما عنده علم بما في المغيب
يشير رحمه الله إلى أن علم التفسير صحيح، وهكذا هو عند المحققين من علماء الهيئة، فأما علم الأحجام وهو المشهور بعلم التنجيم، فباطل والاشتغال به غير طائل.
وذكر الشيخ أبو عمرو ابن الصلاح أن الشيخ أبا إسحاق كان يقول من الشعر على البديهة ما يسنح له، وأنه قال يومًا لمرتب المدرسة النظامية يعني بعينها وكان رجلا حسنا، فقال على وجه البسط به:
وشيخنا الشيخ أبو طاهر ... جمالنا في الشرف الظاهر
ثم حكي أن أبا طاهر هذا طال عمره، وتأخرت مدته في المدرسة النظامية إلى سنة ثلاثين وخمس مائة، فعمر بعد الشيخ أبي إسحاق بضعا وخمسين سنة، وقد امتدح بشعر من أحسنه ما حكاه السمعاني عن الرئيس أبي الخطاب علي بن عبد الرحمن بن هارون بن الجراح رحمه الله:
سقيًا لمن صنف التنبيه مختصرًا ... ألفاظه الغر واستقصى معانيه
إن الإمام أبا إسحاق صنفه ... لله والدين لا للكبر والتيه
رأى علومًا عن الأفهام شاردة ... فجازها ابن علي كلها فيه
نصب الشرع إبراهيم منتصرًا ... يذود عنه أعاديه ويحميه
وقال أبو الحسن علي بن فضال القيرواني:
كتاب التنبيه ذا أم رياض ... أم لآلئ قلوبهن البياض
جمع الحسن والمسائل طرا ... دخلت تحت كله الأبعاض
قل طولًا وضاق عرضًا مداه ... وهو بعدد الطوال العراض
وقال السلار العقيلي:
كفاني إذا عن الحوادث صارم ... ينيلني المأمول بالإثر والأثر
يقد ويفري في اللقاء كأنه ... لسان أبي إسحاق في مجلس النظر
وقال عاصم بن الحسن في الشيخ أبي إسحاق رحمه الله ورضي عنه:
تراه من الذكاء نحيف جسم ... عليه من توقده دليل
إذا كان الفتى ضخم المعالي ... فليس يضيره الجسم النحيل.
توفي رحمه الله ليلة الأحد، وقيل: يوم الأحد الحادي والعشرين من جمادى الأولى، وقيل: الآخرة، سنة ست وسبعين وأربع مائة ببغداد، فاجتمع بجنازته خلق عظيم، ويقال: إنه أول من صلى عليه أمير المؤمنين المقتدي بأمر الله، ثم صلى عليه صاحبه أبو عبد الله الطبري، ودفن بباب أبرز رحمه الله، وقد رثاه الأستاذ القاسم عبد الله بن ناقياء بأبيات، منها:
أجرى المدامع بالدم المهراق ... خطب أقام إقامة الآفاق
خطب شجا منا القلوب بلوعة ... بين التراقي ما لها من راق
ما للليالي لا يألف شملنا ... بعد ابن بجرتها أبي إسحاق
إن قيل مات فلم يمت من ذكره ... حي على مر الليالي باق.
قال شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي: وجلس أصحابه لعزائه بالمدرسة النظامية، فلما انقضى العزاء رتب مؤيد الملك من نظام الملك أبا سعد المتولي مدرسًا، فلما وصل إلى نظام الملك باني المدرسة، كتب بإنكار ذلك، وقال: كان من الواجب أن تغلق المدرسة سنة من أجل الشيخ، وعاب على من تولى مكانه، وأمر أن يدرس الشيخ أبو نصر عبد السيد بن محمد ابن الصباغ مكانه.
قلت: قد تقدم أن الشيخ أبا نصر درس فيها قبله، ثم صارت إليه بعده، إلى أن توفي سنة ثمان وسبعين، وكل من ابن الصباغ، والمتولي له وجه في المذهب، وليس للشيخ أبي إسحاق وجه في المذهب، وإنما له احتمال ولد إمام الحرمين والغزالي، وذكره الحافظ أبو القاسم ابن عساكر في طبقات أصحاب الأشعري، في آخر كتابه: تبيين كذب المفترى على أبي الحسن الأشعري، فقال: رأيت بخط بعض الثقات: ما قول السادة الفقهاء في قوم اجتمعوا على لعن الأشعرية وتكفيرهم؟ وما الذي يجب عليهم؟ أفتونا، فأجاب جماعة فمن ذلك: الأشعرية أعيان السنة، انتصبوا للرد على المبتدعة من القدرية والرافضية وغيرهم،
فمن طعن فيهم، فقد طعن على أهل السنة، ويجب على الناظر في أمر المسلمين تأديبه بما يرتدع به كل أحد، وكتب إبراهيم بن علي الفيروزابادي.
قلت: أما طريقة الشيخ أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري في الصفات بعد أن رجع عن الاعتزال، بل وبعد أن قدم بغداد، وأخذ عن أصحاب الحديث كزكريا الساجي وغيره، فإنها من أصح الطرق وللمذهب، فإنه يثبت الصفات العقلية والخبرية، ولا ينكر منها شيئًا، ولا يكيف منها شيئًا، وهذه طريقة السلف والأئمة من أهل السنة والجماعة، حشرنا الله في زمرتهم وأماتنا على اتباعهم ومحبتهم، إنه سميع الدعاء جواد كريم.
وعلى هذا المنوال جرى الأئمة من أصحاب الأشعري، كأبي عبد الله بن مجاهد والقاضي أبي بكر الباقلاني وأضرابهم رحمهم الله، ولنذكر شيئًا من روايتنا من طريقه رحمه الله.
قَرَأْتُ عَلَى شَيْخِنَا الإِمَامِ الْحَافِظِ الْحُجَّةِ، أَبِي الْحَجَّاجِ يُوسُفَ ابْنِ الزَّكِيِّ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يُوسُفَ الْمِزِّيُّ، أنا الشَّيْخُ الإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْبُخَارِيُّ، بِقِرَاءَتِي عَلَيْهَا، ثنا زَيْنَبُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَسَنِ الأَشْعَرِيَّةُ، إِجَازَةً مِنْ نَيْسَابُورَ، أنا أَبُو سَعْدٍ هِبَةُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنُ الأُسْتَاذِ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ هَوَازِنَ الْقُشَيْرِيُّ، قِرَاءَةً عَلَيْهِ، وَنَحْنُ نَسْمَعُ
إِلَى الشَّيْخِ الْفَقِيهِ أَبِي إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ يُوسُفَ الْفِيرُوزَابَاذِيِّ، قِرَاءَةً عَلَيْهِ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ شَاذَانَ الْبَرَّازُ، أنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ أَيُّوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدَةَ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ صُبَيْحٍ الْعَبَّادَانِيُّ، فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الصَّلاةِ لِسِتٍّ خَلَوْنَ مِنْ رَجَبٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ وَثَلاثِ مِائَةٍ، ثنا عَلِيُّ بْنُ حَرْبِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَازِنٍ الْغضُوبَةُ
الطَّائِيُّ سَائِرًا سَنَةَ سِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ اللَّهُ لا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ النَّاسِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، فَإِذَا لَمْ يَبْقَ عَالِمٌ اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤَسَاءَ جُهَّالا، فَسُئِلُوا، فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا» .
هذا حديث صحيح متفق على صحته رواه البخاري في كتاب العلم، عن إسماعيل بن أوس عن مالك، عن هشام به، وأخرجه مسلم من حديث وكيع به، ومن طرق أخر عن اثني عشر رجلًا عن هشام به، ورواه الترمذي والنسائي وابن ماجه من طرق أخر عنه به، فالحديث يجزم تواتره إلى هشام بن عروة، وهو أحد الأئمة الأثبات عن أبيه، وهو من سادات التابعين، وأحد الفقهاء السبعة، عن عبد الله بن عمرو بن العاص أحد عباد الصحابة ورابع العبادلة، وهم: ابن عباس وابن الزبير وعبد الله بن عمر وهو رضي الله عنهم أجمعين
وَبِالإِسْنَادِ الْمُتَقَدَّمِ إِلَى عَلِيِّ بْنِ حَرْبٍ الطَّائِيِّ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، ثنا عُمَارَةُ بْنُ زَاذَانَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ يَعْلَمُهُ، فَكَتَمَهُ أُلْجِمَ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ» .
هذا حديث حسن من هذا الوجه، رواه أبو داود في كتاب العلم عن موسى بن إسماعيل التبوذكي، عن حماد بن سلمة، عن علي بن الحكم به، ورواه الترمذي وابن ماجه من حديث عمارة بن زاذان الصيدلاني، وقال الترمذي: هذا حديث حسن، قال: وفي الباب عن جابر وعبد الله بن عمرو.
قلت: ورواه من وجوه أخر متعددة، والله أعلم
وَقَرَأْتُ أيضًا عَلَى شَيْخِنَا الْحَافِظِ أَبِي الْحَجَّاجِ الْمِزِّيِّ، قَالَ: أنا الشَّيْخُ الإِمَامُ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي سَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ الْوَاسِطِيُّ، خَطِيبُ كَفَرْسُوسِيَّةَ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ ثَلاثٍ وَثَمَانِينَ وَسِتِّ مِائَةٍ بِجَامِعِ دِمَشْقَ، قَالَ: أنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ بَاسوَيْهِ الْوَاسِطِيُّ، قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَنَحْنُ نَسْمَعُ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ وَسِتِّ مِائَةٍ بِجَامِعِ دِمَشْقَ،
قَالَ: أنا أَبُو الْخَيْرِ مَسْعُودُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ صَدَقَةَ بْنِ مُطَرِّزٍ الْخَبَّازُ، قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِينَ وَخَمْسِ مِائَةٍ، قَالَ: ثنا أَبُو الْكَرَمِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ الْحَوْزِيُّ، إِمْلاءً بِالْجَامِعِ بِوَاسِطَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ سَلْخَ شَوَّالٍ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِ مِائَةٍ، قَالَ: أنا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ يُوسُفَ شَيْخُ الشَّافِعِيَّةِ، بِبَغْدَادَ، ثنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ غَالِبٍ الْبَرْقَانِيُّ، ثنا أَبُو
الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمْدَانَ النَّيْسَابُورِيُّ الْحَافِظُ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْبُوشَنْجِيُّ، ثنا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، ثنا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الإِسْكَنْدَرَانِيُّ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ مِنْ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفَجْأَةِ نِقْمَتِكَ، وَمِنْ جَمِيعِ سَخَطِكَ وَغَضَبِكَ» .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ الرَّازِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ، فَوَقَعَ لَنَا بَدَلا، وَلَمْ يُخَرِّجْ مُسْلِمٌ فِي كِتَابِهِ الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ الرَّازِيِّ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ
وقرأت أيضًا على شيخنا الحافظ أبي الحجاج المزني، أنا أبو الحسن ابن البخاري، وأحمد بن شيبان، قالا: أنا أبو حفص عمر بن محمد بن طبرزد البغدادي، أنا الحافظ أبو القاسم إسماعيل بن عمر بن أحمد السمرقندي، أنا إبراهيم بن علي الفيروزابادي الفقيه، ثنا القاضي أبو الطيب، وهو طاهر بن عبد الله الفقيه، ثنا القاضي أبو الفرج بن طرار، ثنا أبي، ثنا أبو أحمد الختلي، أنا عمر بن محمد بن الحكم النسائي، حدثني إبراهيم بن زيد النيسابوري، أن ليلى الأخيلية بعد موت توبة يعني ابن الحمير، وهو مجنونها تزوجت، ثم إن زوجها بعد ذلك مر بقبر توبة وليلى معه، فقال لها: يا ليلى، تعرفين
هذا القبر؟ فقالت: لا، فقال: هذا قبرة توبة، فسلمي عليه، فقالت: امض لشأنك فما تريد من توبة وقد بليت عظامه، قال: أريد تكذيبه، أليس هو الذي يقول:
ولو أن ليلى الأخيلية سلمت ... علي ودوني تربة وصفائح
لسلمت تسليم البشاشة أو زقا ... إليها صدى من جانب القبر صائح
فوالله، لا برحت حتى تسلمي عليه، فقالت: السلام عليك يا توبة ورحمك الله وبارك لك فيما صرت إليه، فإذا طائر قد خرج من القبر حتى ضرب صدرها، فشهقت شهقة، فماتت فدفنت إلى جانب قبره، ونبتت على قبره شجرة، وعلى قبرها شجرة، فطالتا فالتقتا، هذه حكاية مشهورة، ولم أرها بإسناد إلا بهذا، والله أعلم.
[الحسن بن عبد الرحمن بن الحسن بن محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن العباس بن جعفر بن أبي جعفر المنصور العباسي أبو علي المكي الشافعي الحناط]
لأنه كان يبيع الحنطة، وكان آخر من بقي ببلاد الحجاز، وكان ثقة مأمونًا، روى عن أحمد بن إبراهيم بن فراس، وعبد الله بن أحمد السقطي وغيرهما، وعنه أبو المظفر السمعاني، وعبد المنعم القشيري، ومحمد بن طاهر، وطائفة من حجاج المغاربة، وثقه السمعاني في الأنساب، ومات سنة اثنتين وسبعين وأربع مائة.
قَرَأْتُ عَلَى شَيْخِنَا الإِمَامِ الْحَافِظِ أَبِي الْحَجَّاجِ الْقُضَاعِيِّ الْمِزِّيِّ، قُلْتُ لَهُ: أَخْبَرَكَ الشَّيْخُ الإِمَامُ بَقِيَّةُ الْمَشَايِخِ فَخْرِ الدِّينِ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ ابْنُ الْبُخَارِيِّ الْمَقْدِسِيُّ، بِقِرَاءَتِكَ عَلَيْهِ، قَالَ: أنا الْقَاضِي الإِمَامُ أَبُو الْمَعَالِي أَسْعَدُ بْنُ أَبِي الْمُنَجَّا بْنِ بَرَكَاتٍ التَّنُوخِيُّ، قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَنَحْنُ نَسْمَعُ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّ مِائَةٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّرِيفُ أَبُو الْعَبَّاسِ
أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْعَبَّاسِيُّ الْمَكِّيُّ، قِرَاءَةً عَلَيْهِ، وَنَحْنُ نَسْمَعُ فِي