وهذا أشهر وأذكر، كان شيخ الشافعية بخراسان، وإنما قيل له القفال، لأنه كان يعمل الأقفال في ابتداء أمره، وبرع في صناعتها حتى صنع قفلا بآلاته، ومفتاحه، وزن أربع حبات حديد، قاله الشيخ أبو محمد الجويني، فلما كان ابن ثلاثين سنة أحس من نفسه ذكاء، فأقبل على الفقه، فاشتغل به، وبرع فيه، وصار إماما يقتدي به فيه، وفي الزهد، وهو شيخ الطريقة الخراسانية في المذهب، تفقه أولا على أبي زيد القاشاني، وسمع الحديث منه، ومن الخليل بن أحمد القاضي، وجماعة، وحدث، وأملى، وتفقه عليه: أبو عبد الله بن عبد الملك المسعودي، وأبو علي الحسين بن شعيب السنجي، وأبو القاسم عبد
الرحمن بن محمد بن فوران الفوراني، والقاضي حسن، والشيخ أبو محمد الجويني، وهؤلاء أئمة طريقة المراوزة.
قال الفقيه ناصر العمري: لم يكن في زمان أبي بكر القفال، أفقه منه، ولا يكون بعده مثله، وكنا نقول: بأنه ملك في صورة إنسان.
وقال الحافظ أبو بكر السمعاني، في أماليه: أبو بكر القفال، وحيد زمانه، فقها، وحفظا، وورعا، وزهدا، وله في المذهب من الآثار، ما ليس لغيره من أهل عصره، وطريقته المهذبة في مذهب الشافعي التي حملها عنه أصحابه أمتن طريقة، وأكثرها تحقيقا، رحل إليه الفقهاء من البلاد، وتخرج به أئمة، وذكر القاضي حسين، أن أبا بكر القفال في كثير من الأوقات يقع عليه البكاء في الدرس، ثم يرفع رأسه، فيقول: ما أغفلنا عما يراد بنا؟ ! قلت: ذكر إمام الحرمين، وغيره، أن على يدي الإمام أبي بكر القفال، كان رجوع الملك محمود بن سبكتكين إلى مذهب الشافعي، رحمه الله، وذلك ضمن حكاية ذكرها،
سنوردها كما أوردها في ترجمة الملك محمود، إن شاء الله تعالى،