في الظاهر والسريرة، وبنى المساجد، وعمر الجامع وحدد معالم وفتح مشاهد واستحدث
الشباك الكمالي الذي يصلي فيه نواب السلطنة اليوم ويجلس فيه الحاكم الشافعي بعد الخلوة للنظر في المظالم، وصرف الصدقة جريا على عادة هذا المكان، وقد بنى القاضي كمال الدين أثابه الله مدرسة بالموصل ومدرسة بنصيبين ورباطًا بالمدينة النبوية، ووقف الهامة على الحنابلة، وله غير ذلك من المعروف والبر والقرب.
قال أبو محمد القاسم ابن عساكر: ولي قضاء دمشق سنة خمس وخمسين، وكان يتكلم في الأصول كلامًا حسنًا، وكان أديبًا شاعرًا ظريفًا فكه المجلس، ووقف وقوفًا كثيرة، وكان خبيرًا بالسياسة وتدبير الملك، وقال القاضي ابن خلكان: ولي قضاء دمشق وترقى إلى درجة الوزارة، وحكم في البلاد الشامية واستناب ولده محيي الدين في الحكم بحلب، وتمكن في الأيام النورية تمكينًا بالغًا، فلما تملك السلطان صلاح الدين أقره على ما كان عليه، وله أوقاف كثيرة بالموصل ونصيبين ودمشق، وعظمت رياسته ونال ما لم ينله أحد من التقدم، وذكر سبط ابن الجوزي: أن الصلاح، صلاح الدين، لما دخل دمشق سنة
سبعين وتلقاه العامة ونثروا عليه الذهب والدراهم، فرح بذلك ونزل في دار أبيه بدار العشر، وتأخر عنه فتح القلعة أيامًا فمشى بنفسه إلى دار القاضي كمال الدين، فأبرع له القاضي وخرج لتلقيه بالرحب والإجلال وقال: يا سيدنا، طب نفسا، وقر عينا، فالأمر أمرك، والبلد بلدك، فكان هذا مما رفع منزلة القاضي عند الناس، وأحسن الملك بتواضعه إليهم أيضًا، وقد ذكره الشيخ أبو الفرج في منتظمه، وأثنى عليه وقال: كان رئيس أهل بيته، ولاه نور الدين القضاء ثم استوزره وأورده رسولًا إلى بغداد، فذكرته