المولى السلطان الملك العادل سيف الدنيا والدين، والد الملوك أحد ركني البيت الأيوبي بعد أخيه السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف فاتح بيت المقدس نور الله ضريحه، ولد الملك العادل أبو بكر ببعلبك، وأبوه نائب بها في سنة أربع وثلاثين وخمس مائة، وقيل: سنة ثمان وثلاثين، وقيل: سنة أربعين ونشأ بها، فلما آل الملك إلى أخيه الناصر، صحبه وشهد معه جميع، فتوحاته، وكانت له اليد البيضاء في تلك المشاهد، وكان أخوه يعتمد عليه لسداد رأيه، واستنابه في مصر مدة ثم أعطاه حلب ثم أخذها منه لولده الظاهر غازي، وعوضه عنها الكرك وحران، ثم لما توفي الناصر جعل من بعده أولاده
الثلاثة العزيز عثمان بمصر، والأفضل علي بدمشق، والظاهر غازي بحلب، ثم لم يزل العادل يداري الوقت، ويتلطف حتى أخذ دمشق من الأفضل بمساعدة العزيز له، ثم توفي العزيز فحصل على مصر، ورام أخذ حلب من الظاهر، فبادره الظاهر بخطبة ابنته فزوجها منه، وكاسر عنه بسبب ذلك، واستوت له الممالك المصرية والشامية والشرقية، وامتدت أيامه، وفتح اليمن، فطالت أزيال رياسته وسعادته وأولاده وجواريه من نسائه وسراريه، وكان يأكل أكلا كثيرا جدا بحيث كان له دور متعدد يطبخ في كل دار مطبخ كامل، ويدور عليها، ويأكل منه، ولم يطبخ خاص لنفسه أيضًا، وكان يأكل كل ليلة بعد العشاء عند النوم
رضيعا، ورطلا من الحلو كان يعمل له كهيئة الحوارش مع ديانة متينة، وعفة عظيمة لا يعرف أنه تخطى مكروها إلى غير حلائله، وله صدقات وإيثار، ويصوم كل يوم خميس، وكان قد قسم الممالك بين بنيه وهو متفرغ