المظفري وكان فيه بر ووقار وإحسان إلى العلماء وحسن ظن بالفقراء، وكريما عفيفا سعيدا مليح الشكل، لم تكسر له راية قط، حر الذيل ظاهر بلا خلاف شهما شجاعا معطى، لكنه كان يكثر من شرب الخمر سامحه الله، وكان سوق الشعراء أيضًا عنده في نفاق، وكان باب القلعة لا يغلق في شهر رمضان ويخرج منها صحون الحلوى إلى أماكن الفقراء، وكان ذكيا
فطنا يشارك في أشياء بذهنه وكانت له دار السعادة داخل باب النصر والدهشة بالنيرب، وصفه بقراط، وقد سمع صحيح البخاري عنده داخل القلعة على الزبيدي، وهو الذي استدعاه من بغداد إلى دمشق وأحسن إليه وأكرم مورده ومصدره، وحكايته وترجمته يطول استقصاؤها، مرض سامحه الله تعالى في رجب مرضين مختلفين دمامل في رأسه، وبواسير في مقعده وتزايد به ذاك حتى كانت الجراح تخرج بعض عظام في رأسه، وهو يحمد الله ويسبحه، فطالت علته إلى المحرم، وتصدق في مرضه بأشياء كثيرة وأعتق مائتي مملوك ومائتي جارية، ولما يئس من نفسه قال لوزيره ابن جرير: في أي شيء تكفنوني، فما بقي لي قوة تحملني
أكثر من غد، فقال: عندنا في الخزانة تصافي، فقال: حاش لله أن أكفن من الخزانة، ثم نظر إلى ابن موسك الوزير وقال: قم فأحضر كفني فقام، وعاد وعلى رأسه مئزر صوف ففتحه وإذا فيه خرق من آثار الفقراء طاقيات قوم صالحين، وفي ذلك إزار عتيق يساوي نصف درهم أو نحوه فقال: هذا يكون على جسدي ألقى به حر جهنم، فإن صاحبه كان من الأبدال، وتوفي رحمه الله تعالى يوم الخميس سنة خمس وثلاثين وست مائة، وكان آخر كلامه، لا إله إلا الله، وكان ذلك اليوم