قال عمر بن الحاجب: كان ثقة حجة عارفا بأمور الدين، اشتهر اسمه وسار ذكره، وكان ذا صلاح وعبادة، وكان في زمانه كالقاضي أبي يوسف في زمانه، دبر أمور الملك بحلب، واجتمعت الألسن على مدحه، قلت: أعاده في النظامية في حدود سنة سبعين وخمس مائة، ثم انحدر إلى الموصل، ودرس بمدرسة الكمال الشهرزوري ثم حج سنة ثلاث وثمانين وعاد على طريق الشام لزيارة بيت المقدس، وبعث إليه الملك صلاح الدين فحضر عنده فاشتد إكرام صلاح الدين له، وقرأ عليه شيئًا من الحديث بنفسه، وصنف له القاضي بهاء الدين كتابا في فضيلة الجهاد، فحظي عند الملك، وولاه قضاء العسكر مع قضاء بيت المقدس، ولم
يزل ملازما للسلطان إلى أن توفي، وهو عنده وصار الملك إلى ولده الظاهر بحلب فاستدعاه إليها وولاه قضاءها، ونظر أوقافها، وأجزل له رزقه وأعطاه وأقطعه أرضا تفل شيئًا جزيلا، ولم يكن له نسل ولا قرابة فكان ما يحصل له موفر عنده، فبنى به مدرسة وإلى جانبها دار حديث بينهما تربة له، وقصده الطلبة للدين والدنيا، وعظم شأن الفقهاء في زمانه لعظم قدره، وارتفاع منزلته.
وصنف من الكتب دلائل الأحكام في مجلدين، والموجز الباهر في الفقه، وكتاب ملجأ الحكام في الأقضية مجلدين، وكتاب سيرة صلاح الدين أجاد فيه وأفاد، وممن أخذ عنه واشتغل عليه ولازمه قاضي القضاة شمس الدين ابن خلكان رحمه الله وقد طول ترجمته في وفيات الأعيان، وذكر أن صاحب إربل كتب إلى ابن شداد كتابا بالوصاة به، وما ضنه، فأكرمها حسب الإمكان وحكى عنه القاضي ابن خلكان قال: لما كنا بالنظامية اجتمع أربعة من الفقهاء أو خمسة على شوب حب البلادر، فاستعملوا