تسع وستين، فباشر القضاء، وظهرت منه نهضة وصرامة وقام في الحق وإبطال الباطل، فتربى له بسبب
ذلك مبغضون تعصبوا عليه وألهوا وشنعوا وتعاونوا وكذبوا، ثم أعيد ابن خلكان إلى القضاء في أول سنة سبع وسبعين، ففرح كثير من الناس بذلك، وبقي ابن الصائغ على تدريس العذراوية فقط.
فلما قدم الملك المنصور دمشق لغزوه حمص سنة ثمانين، أعاد ابن الصائغ إلى القضاء، وعزل ابن خلكان، وبقي بتدريس النجيبية فقط، فعاد القاضي عز الدين إلى عادته فيما كان عليه من إقامة الشرع، وإسقاط الشهود المطعون فيهم، والتنقيب والكشف عن أمور مستورة، فتعاونوا وتساعدوا فيه، ورتبوا أمورًا كبيرة متعددة، وعقدوا له مجالس يطول ذكرها، وكاد الرجل أن يعطب بأكملية، ثم وقى الله شر تلك الناس، وخمد تلك النفوس الثائرة، وكاتب فيه ملك الأمراء حسام الدين لاجين نائب الشام إلى طلب حسام الدين طرنطاي نائب الديار المصرية وتساعدا في الإنهاء إلى السلطان براءة القاضي المذكر،
وأنه لم يثبت في قلبه حق، وأنه متعصب عليه، فجاء المرسوم السلطاني بإطلاقه من اعتقاله، ومعاملته بالإكرام والاحترام، فأخرج من القلعة المنصورة بعد ما مكث فيها أيامًا وأحيط على حواصله وأملاكه، ففرج الله عنه هذه الكربة بسبب سؤاله الله ربه، وذهب إلى ملك الأمراء فسلم عليه، وإلى قاضي القضاة بهاء الدين ابن الزكي، ونزل بداره بمدرسة النخاسة، ثم انتقل إلى بستانه بحمص إلى أن توفي في تاسع ربيع الآخر سنة ثلاث وثمانين وست مائة، وقد جمع أهله عند احتضاره، وتوضأ وصلى بهم، وقال: هللوا معي وبقي يهلل معهم ساعة حتى توفي وذكروا أن آخر كلامه لا إله إلا الله، فرحمه الله