للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحافر على الحافر- على أن سقم صاحبه «مانيه» مريب والنابغة يذكر السقم كما تعلم. فهل نظر «مانيه» إلى نموذج كلاسيكي قديم؟ هذا، ثم أخذ النابغة في التفصيل، فأول ما فصله نعت العقد، ليبعدك من تأمل التمثال حينًا، ريثما يشيع حوله البريق واللألا المعشي:

والنظم في سلكٍ يزين نحرها ... ذهبٌ توقد كالشهاب الموقد

وإذ اتجه نظرك إلى هذا الشهاب المتوقد، ألقي إليك مسرعًا بصفة الجسد كله، وكأنه أصاب ألقًا من ألق الشهاب:

صفراء كالسيراء أكمل خلقها ... كالغصن في غلوائه المتأود

فالصفرة شاهد الألق، وهي لون العرب المحبوب كما مر بك في أبيات امرئ القيس. «وكالسيراء» اختلاس نظر إلى نعومة تلك البشرة الصفراء، لأن السيراء نسج حرير مزخرف. وقد كانت نظرة فاحصة، مع خلستها، لهذا الذي فطنت إليه من زخرف مع النعومة.

وقوله «أكمل خلقها» إثبات للتماسك والتمام ونفي للزوائد من ترهيل ونحوه. وقوله «كالغصن» تأكيد لهذه الصفة، وجعل الغصن ذا غلواء ليفعمه بالشباب والقوة وينفي عنه جوع النحول. وهنا تأويل قولنا بادئ كلامنا أن هذه المتجردة، بحكم تجردها، وبحكم أنها غير بكر، ينبغي أن تكون أبض شيئًا من خمصانة امرئ القيس الكاسية.

وامرؤ القيس لاشك أحذق إذ جعلها بكرًا وإذ كسها ليلهو ببكرها ويجردها معًا في نعته. ولكن ماذا عسى أن يصنع النابغة، وإنما حمل على أن يصف متجردة ليكسوها بدعوى عزوف وتقية، وثيبًا ليتوهمها بكرًا لا تنال.

وقد نظر النابغة إلى امرئ القيس في قوله «كالغصن في غلوائه المتأود» إذ

<<  <  ج: ص:  >  >>