للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بل العقد كأنه شفٌ وأفشى هذا التجريد بعد أن كان يعشى الناظر دونه- إذ فعل هذا عاد فألقى على التمثال سترًا من خياله، وذلك قوله:

والإتب تنفجه بثديٍ مقعد

والإتب بكسر الهمزة والتاء بنقطتين فوقيتين ثم الباء بواحدة من تحت، هو ثوب مشوق لا جيب له. وهذا أول ما يلوح لنا من كساء أفروديت. وقد جاء به النابغة من خياله إذ لم يكن على المتجردة ثوب، إذ قد كانت عارية إلا القلادة وعسى أن ظن السجفين اللذين بدت منهما كما سترى بمنزلة هذا الأتب الذي يذكره وقوله «تنفجه» يكاد يوحي بالحركة، لكن الصورة مع هذا ثابتة. وسبب ذلك أن النابغة يصف ثديًا ليس عليه ثوب، فهذا قول مقعد، يعني أنه صلب ثابت متحيز بمكانه. ولو قد كان عليه اتب لنفجه، هذا معنى قوله «والاتب تنفجه» - وعسى أن أشرب هذا من عند نفسه صورة التمثال الذي يكون منه الثوب على الثدي الآخر. وعسى أن مال أحد السجفين على جانب المتجردة. ومهما يكن من شيء «فمقعد» نظر مباشر ليس دونه حجاب:

محطوطة المتنين غير مفاضةً ... ريا الروادف بضة المتجرد

وهذه نظرة غير الأولى. وانحطاط المتنين تنعيم للتمثال الخمصان حتى لا يتبين منه جساوة تراق وأكتاد وحيث معاقد الكتف من الذراع. ولكي ينفي فكرة البدانة التي ربما خطرت للسامع من معنى «محطوطة المتنين» «قال» «غير مفاضة» - وكما ترى، فإن هذا بالنسبة إلى نظرته إلى المتنين غضة. ولا يكون. ضربة لازب، دار هو بها فنظر أو أدبرت هي، لأن الخيال في نحو هذا يتمم ما تشاهده العين. على أن معنى تدبر غير مستبعد، على معنى ما قدمنا من تهتك النعمان بجلوتها.

وقوله ريا الروادف لا يبلغ بها الضخامة كما ترى، وإنما ينعت تمام خلقها،

<<  <  ج: ص:  >  >>