للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنما أخباه الالتفات عنه والغض إلى التأمل والتغني. ثم في النفس حاجة إلى التمهيد بهذا الإخباء إلى نظراتٍ أخر. وذلك قوله:

أو دميةٍ من مرمرٍ مرفوعةٍ ... بُنيت بآجر يشاد وقرمد

والمرمر براق ولكنه دون اللؤلؤ. ثم القاعدة التي عليها دمية المرمر آجر وقرمد، وضوء هذا خافت، كلا ضوء، بالنسبة إلى المرمر والدرة والشمس. وهنا ارتاح النابغة راحة كاملة. وصورة الدمية ذات القاعدة التي ارتاح إليها، أو قل إلى قاعدتها، من الذاكرة كما ترى. ثم ستجد مع هذا، في الذي يلي، أنها لا تخلو من كناية. ونظر النابغة عندما ارتاح. ولكن نظرته أهدت له صورة أخرى، غير صورة الفاتنة المترائية بين سجفي الكلة، صورة من الذاكرة، فيها حركة مسرعة أيما إسراع، ثم هي في ذلك ثابتة. صورة حسناء رائعة فاجأها، فسقط نصيفها، فاتقت بيدها. وهذه الصورة تنظر إلى قول امرئ القيس:

فجئت وقد نضت لنومٍ ثيابها

وصورة امرئ القيس مع ظاهر طمأنينة جوها أدل على حيوية الحركة من مرتاعة النابغة المنفعلة- أدل على الحيوية مع أن الحركة التي وصفها امرؤ القيس (قد نضت لنوم ثيابها) قد كانت قبل دخوله وإنما وجد شاهدها، أما الذي يصفها النابغة فقد شاهدها عيانًا بيانًا.

أم لعله لم يشاهدها عيانًا بيانًا ولكنها صورة توهمها- صورة جاء بها من الذاكرة من تمثال أفروديت ذات الثوب أو صورة اخترعها على مثال ذلك التمثال حين رأى المتجردة من سجفي الكلة، يوهمك بهذه الصورة أنه لم ير جسدها عاريًا، وإنما رأى نصيفًا سقط، ثم اتقاء باليد. وأنى له أن يرى جسدًا عاريًا وقد أعشاه شعاع شمسها بالأسعد؟ أو أعشاه شعاع ما يخشاه من سطوة النعمان وغيرته؟ من أجل هذا ما نرى ما ذكرناه لك من أن حركة النصيف على سرعتها وارتياعها ثابتة. ذلك

<<  <  ج: ص:  >  >>