للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بأن النابغة إنما وصف بهذه الحركة حال انفعاله هو حين رأى ما رأى، فريع، دون حركة التمثال ذي السمط الواقف بين سجفيه يشع ما يشع من بريق وألق. وهذا أيضًا يقوي الذي زعمناه من نظر النابغة واستفادته من تمثال أفروديت ذات الثوب، إذ ذلك المثال في حركته المقترحة أشد إظهارًا لدهشة الناظر إلى أفروديت منه لجزع أو ارتياع يكون منها.

سقط النصيف ولم ترد إسقاطه ... فتناولته واتقتنا باليد

بمخضبٍ رخصٍ كأن بنانه ... عنمٌ على أغصانه لم يعقد

ورواية الاقواء «يكاد من اللطافة يعقد» - وهنا نظر إلى قول امرئ القيس:

وتعطو برخصٍ غير شئنٍ كأنه ... أساريع ظبيٍ أو مساويك إسحل

وصورة امرئ القيس متحركة وهذه التي يصفها النابغة ثابتة. ثم فيها ارتياح من الذي كان فيه من دهشة سقوط النصيف. والبنانات من اليد التي اتقت بها صاحبة النصيف فيهن كما ترى ههنا سكون وامتداد، فهذا قوله «يكاد من اللطافة يعقد» أو قوله «لم يعقد» على تجنب الأقواء، ورواية الأقواء أجود إذ لا تكلف فيها وفي الأخرى جهد، وواضح قصد وعمد إلى التجويد. والاستراحة التي زعمنا في تأمل بنانات التمثال لا تخفى والخضاب استعارة من كف المتجردة- أعني أنه التفت مغضيًا عن المتجردة إلى صورة التمثال التي في ذاكرته، وخضبها بتخضيب كف المتجردة.

ثم بعد هذه الاستراحة نظر مرة أخرى إلى المتجردة أو قل رجع ليعطينا صورة النظرة التي ارتاع عنها إلى صورة التمثال والنصيف وما في ذلك من كناية.

والروعة، كما لا يخفى، منبئة باشتهاء.

ورجع النابغة إلى النظرة التي كان بدأ بها نعته:

نظرت إليك بحاجةٍ لم تقضها ... نظر السقيم إلى وجود العود

<<  <  ج: ص:  >  >>