للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشاعر إلى أن يقول «إن قولي عذب مقبله شهي المورد» ما حكاه لي الهمام، تفريعًا من قوله «بارد» وليس بأمر أحسسته أنا، وأنا أصفه ولم أذقه ولا يكون لي ذلك. وفي قوله «ولم أذقه» كالأمنية الخفية ومثلها يحتمل ولا يستنكر لأن مجراها مجرى القصة. حكى الهمام وشوق.

وحتى هذا الذي لا يستنكر يبادر النابغة إلى نفيه كل النفي بالإلحاح في تقرير القصة على لسان الهمام «عذب إذا قبلته قلت ازدد» ثم قوله من بعد:

زعم الهمام ولم أذقه أنه ... يُشفي بريَّا ريقها العطش الصدي

وهذا الاحتراس على ما فيه من مبالغة في التقية، وتأكيد أي تأكيد لما كان قرره من حكاية القصة في قول الهمام «عذب إذا قبلته قلت ازدد» يخفي في أغواره إيحاء من خفي إيحاء الشعراء، إذ ليس العطش الصدي في قوله «يشفى بريا ريقها العطش الصدي» إلا النابغة نفسه. ولا أكاد أشك -أيضًا- أنه نظر إلى التفاتة صاحبه امرئ القيس، حيث قال:

إذا التفتت نحوي تضوع ريحها ... نسيم الصبا جاءت بريا القرنفل

وقد ذكرنا لك آنفًا أن امرأ القيس إنما عني ريح أنفاسها، وهي ريا القرنفل يحملها نسيم الصبا. والنابغة قد جعل الريا للريق كما ترى.

هذا ثم أخذ النابغة يتحسس ببصره، بعد أن سمع، ويعتذر عن هذا التحسس:

أخذ العذارى عقده فنظمته ... من لؤلؤٍ متتابعٍ متسرد

مرة أخرى إلى النور.

وهو نور البرد ونور الأقحوان. وهنا تعلم أن ما حكاه النابغة على لسان الهمام

<<  <  ج: ص:  >  >>