للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والشعر ظلام كما ترى. وقوله فاحم رجل أثيث نبته كل ذلك يزيد معنى الظلام ويقويه. ثم خلط النابغة صورة سجفى الكلة بالشعر، وهذا ما ينبغي بعد أن زال البريق والشعاع المعشى.

وجعل من المتجردة دعامًا مسندًا تميل عليه دوالي الكرم.

ونزعم أنه خلط بين الشعر وسجفى الكلة، لأن التمثال كان يشع من بين السجفين فقد صار مكانه ومكانهما هذا الدعام المسند وهذه الدوالي.

وقد كانت الدمية المرمرية، وهي المتجردة، كما تذكر، مرفوعة يتألق مرمرها افوق قاعدة متينة من «آجر يشاد» أي يطلى بالجص، -وهذا نفسه لا يخلو من ألق من- و «قرمد»، وهذا ذو رونق وقوة وشيء من خفي لمع.

فقد صارت تلك القاعدة المتينة دعام كرم، يهم أن يتداعى، فيسند، والظلام يحيط بها. ظلام الشغر، والسجفين. وفي قوله «الدعام» بعد شيء من تذكيرنا بالقوام الممشوق المحكم، حتى لا يوقع معنى التداعي المسند في أنفسنا صورة البادئة أخت الفراش. لأن الدعام في ذات نفسه قوة وتماسك. وكذلك جسد المتجردة.

ثم يصير النابغة بعد إلى ما تعلم من قوله «وإذا لمست». واللمس ظلام محض. وقد قيده بالشرط «إذا»، فلم يغفل عن إشعارك أنه إنما يصفها وهي قائمة بين سجفيها لا غير، كما أراده النعمان أن يقول. ورجح المعري أن يكون الضمير بالضم، وهذا دقيق منه في باب النقد. وقد زعم أن ضم الضمير، بأن يجعل للمتكلم، يُنبئ أن الأمر حكاية على لسان النعمان (١). هذا، ثم في آخر الأبيات الستة، عند قوله «بلوافح مثل السعير الموقد» كأن النابغة يرجع بنا إلى صدى من قوله «كالشمس يوم طلوعها بالأسعد»، و «الشمس آلهة» الخصوبة كما قدمنا. ولك بعد


(١) رسالة الغفران- راجع ٢٠١ - ٢٠٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>