للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن توازن بيت المقطع بالترنم الذي في بيت المطلع، لترى كيف ارتباط القصيدة ربطًا حق وثيق.

هذا، وننبه ههنا أيضًا إلى تهيئة النابغة جو الظلام قبل نعته في الأبيات الستة. إذ مثل صنيعه هذا معنى لم يفتأ الكاتب الإنجليزي د. هـ لورنس، يبدئ فيه ويعيد، حتى لقد بلغ من مزاعمه في هذا الباب أن يقول أن تداني الحبيبين طلب ظلام لظلام لا يبلغ أوج الصدق إلا مع الظلام البحت. وقصته الفتاة الضائعة، وغير ذلك مما قص وكتب يبين هذا المعنى كل تبيين.

ولورانس مخطئ في إلحاحه على معنى ظلام النفس وظلام الدم وجعل ذلك دامسًا حتى لا بصيص من ألق فيه. وقد نبه برتراند رسل على هذا من خطئه، وربطه بعقائده الفاشستية وقد ترى أن النابغة حين هيأ الظلام جعل له نورًا من الحبيبة نفسها كما فعل امرؤ القيس حيث قال:

تضيء الظلام بالعشاء كأنها ... منارة ممسى راهبٍ متبتل

فظلام الهوى، عنده كما عند امرئ القيس وعند سواهما ممن تبعوهما من شعراء العرب، هو نفسه ضوء يضيء منه ظلام الحياة، ولا غرو أن يصدر هذا ممن كانوا يجعلون الشمس والقمر والنيرات والنيران من رموز الهوى وأوثانه المعبودات (١).

هذا، وننبه بعد على مقابلات النابغة التي تتكرر في صور مختلفات مدلولهن جميعهن إشراق الجمال على ظلام الهوى: صورة الدمية المرمرية وقاعدة الآجر، وصور الأقحوانة الضاحية والكم الندي، وصورة الثنايا الألقات واللثات الحم ذات الريا، وصورة جناحي الحمامة يرفرفان ببهجة البسمة، والفم الأحوي ينوء


(١) راجع ترجمة لورنس في «صور من الذاكرة» لبرتراندرسل. لندن، ١٩٥٨ (جورج ألن وأنون) - ص ١٠٦ - ص ١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>