للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويدلنا أنها فتاة المعلقة نفسها ضمر ما يصفه في الأبيات الأوائل وبخاصة قوله «بآنسة كأنها خط تمثال». وصيرها بادنة فيما بعد لانتقاله من المنظر إلى اللقاء. ويكون اللقاء تأويل قبوله: «تجاوزت أحراسًا إليها» فلم يرنا كيف تجاوز الأحراس، على هذا التأويل في المعلقة، وإنما أراناه في اللامية، وتكون الأحراس هي نفسها، ويكون شاهد ذلك قوله:

وصرنا إلى الحسنى ورق كلامنا ... ورضت فذلت صعبةً أي إذلال

ويقوي هذا الوجه، أن البدن الذي يصفه ههنا متماسك، وفيه صفات من صفات الضمر، فعسى هذا أن ينبئ بوحدة الشخص المنعوت.

ويقويه ما قدمنا من كناية الخمصانة عن المنظر والبادنة عن غيره وقد تكون هي نفسها موصوفة في حالين. وهذا لا ينقض ما نحن بصدده مما ينشأ في الأداء من اختلاف، عند نعتي البادنة والخمصانة، وإن يكن المدلول واحدًا.

ويقوي ما قدمناه وما نزعمه من أمر الكناية، قصة المعري التي ساقها في رسالة الغفران، حيث زعم أن ابن القارح صار إلى جنة الحور، فانفتحت له إحدى ثمراتها عن حورية تبهر، فسجد لله شاكرًا، ومعظمًا لما رأى من عجيب قدرة الله ويقول (١) «هذا كما جاء في الحديث: «أعددت لعبادي المؤمنين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، بله ما اطلعتم عليه» - (وبله في معنى دع وكيف). ويخطر في نفسه وهو ساجد أن تلك الجارية- على حسنها- ضاويةٌ- فيرفع رأسه من السجود، وقد صار من ورائها ردفٌ يضاهي كثبان عالج، وأنقاء الدهناء، وأرملة يبرين وبني سعد فيهال من قدرة الله اللطيف الخبير، ويقول: يا رزاق المشرقة سناها ومبلغ السائلة مناها، والذي فعل ما أعجز وهال ودعا إلى الحلم الجهال، أسألك أن تقصر بوص هذه


(١) رسالة الغفران- ٢٨٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>