الجارية على ميلٍ في ميل، فقد جازيها قدرك حد التأميل. فيقال له: أنت مخير في تكوين هذه الجارية كما تشاء. فيقتصر من ذلك على الإرادة. أهـ».
وكأن المعري بقصته هذه يشرح لنا بعض الذي كنا فيه من مذهب العرب في الجمال. إذ الحورية كما ترى ضاوية، وهذه صنعة الله الأولى والمثل الأعلى. ثم بعد أن يعجب ابن القارح لجمالها ويخر ساجدًا، تساوره الرغبات فيود لها عجزًا أضخم. ويسخر المعري من هذا العجز الضخم الذي يُلصق بالضامرة، فيجعله كرمل عالج. وحين يرتاع له الشاعر، يطلب أن يجعل ميلاً في ميل، والميل مدى نظر البصر، وهذا لعمري شيء عظيم، وإن كان دون رمال ويبرين.
وقد ترى أن الحالتين توالتا بقدرة الله في خيال المعري، وهو كما قدمنا يشرح أخيلة الجاهليين، على شخص واحد. فعسى هاذ أن يقوي ما زعمنا من أمر الكناية في حديث امرئ القيس.
ووجه ثان أن تقول إن سلمى فتاة المعلقة والبادنة غيرها، وسماها سلمى على طريقة الشعراء إذ يطلقون على الفتيات سلمى وسعدى وليلى ترنمًا، وهذا يشمله ما تقدم. ووجه ثالث أن يقال إن في صفات البادنة ما يشعر بإرادة أم جندب، فاحتاج امرؤ القيس إلى أن يسميها سلمى باسم الخمصاء ليدفع هذا الوهم، حتى لا يُظن أنه هو البعل الذي يهذي وليس بفعال. والوجه الأول يتسع أيضًا لهذا المعنى. وعسى أن يكون في فتاة المعلقة شيء من معنى أم جندب.
والتأويل بعد ذو سعة وسننبه على مواضع منه حين نعرض للأبيات، وهذا حين ذلك إن شاء الله.
قال امرؤ القيس في أول قصيدته:
ألا عم صباحًا أيها الطلل البالي ... وهل يعمن من كان في العصر الخالي
وهل يعمن إلا سعيدٌ مخلدٌ ... قليل الهموم ما يبيت بأوجال