للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجلي من قول ابن قتيبة أن مطلع هذه القصيدة:

هل عرفت الدار أم أنكرتها ... بين تبراك فشسي عبقر

أنه قد كان لها ترتيب آخر غير الذي في المفضليات. ولا يستبعد أن هذا الترتيب الآخر قد كان مما رتبه الشاعر نفسه ثم عدل بعد عنه. ذلك بأن القريض مما يقع فيه مثل هذا: تنثال القوافي والمعاني على الشاعر في المضمار الذي هو فيه. ثم إذا فرغ أحس أن كلامه لم يستقم بعد، وأن لا مزيد على ما قال. فيحتاج إلى أن يقدم ويؤخر وربما حذف الزوائد أو ما أحسه فيه أنه دخيل. ولا يزال في هذا المجرى، حتى ترضى نفسه عما يصنع، ويرى أنه قد استقام. وإلى هذا أو إلى نحو منه أشار عدي بن الرقاع العاملي حيث قال:

وقصيدةٍ قد بت أجمع شملها ... حتى أقوم ميلها وسنادها

نظر المثقف في كعوب قناته ... حتى يقيم ثقافه منآدها

وقد كان القوم في العهد الأموي مما يكتبون ما ينظمون، كما كانوا يروونه أيضًا. فربما اتفق لشاعر أن يذيع كلمة، يرى أن أمرها قد استقام، ثم يبدو له فيعود إليها بعد ذلك، يزيد أو ينقص أو يقدم أو يؤخر. ومن أمثلة هذا دماغة جرير، فقد ذكروا أن آخرها قد كان بيته: «فلا كعبًا بلغت ولا كلابًا» وبعده أبيات عدد كما تعلم في الديوان، لاشك أن جرير أضافها بعد ما كان أنشده. والحديث في هذا الباب يطول. وقد سبق أن ألمعنا إلى شيء منه في ما كنا مهدنا به، ونأمل أن نفصل فيه من بعد إن شاء الله.

ولعل الترتيب الذي عرفه ابن قتيبة من قصيدة المرار، كان هكذا: المطلع قوله «هل عرفت الدار» كما ذكر، ثم تستمر القصيدة إلى قوله «ما أنا الدهر بناسٍ ذكرها» ثم يلي هذا «عجبٌ خولة إذ تنكرني» وتستمر القصيدة بعد إلى قوله «كثر

<<  <  ج: ص:  >  >>