للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الناس» فيكون هو المقطع. ويجوز أن قد كان نعت الناقة سابقًا لنعت الخيل. ونعت الخيل عشرون بيتًا من البيت السابع إلى السادس والعشرين في الترتيب الذي في المفضليات.

وإذا صح هذا أو نحو منه، وإذ النسيب مهما يطل، فهو من قري مفتتح القصيدة، فلا غرابة أن يزعم ابن قتيبة مع الترتيب الذي وقع له، أن القصيدة في الخيل. ولعمري لو قد كان وقع له ترتيبها الذي في المفضليات، لكان جعلها في الخيل شبيهًا بمذهبه، للذي كان يراه من إيثار شرف المعنى، ومعنى الفروسية الذي في صفة الخيل أشرف من معنى اللهو الذي يكون في صفة النساء. وقولنا: «وإذ النسيب مهما بطل إلخ». مرادنا منه التنبيه على ما كان يجيء من تطويل النسيب في تضاعيف الشعر الأموي. بلغ جرير مثلاً بالنسيب سبعة وخمسين بيتًا من قصيدة ذات اثنين وسبعين بيتًا هجًا بآخرها الأخطل (١). وبلغ به واحدًا وثلاثين بيتًا من أخرى فيها نيف وتسعون بيتًا، هجا بها الفرزدق، وبلغ به الفرزدق واحدًا وثلاثين بيتًا في فائيته المجمهرة (٢)، وقد نبه ابن قتيبة إلى ما يكون من نحو هذا في معرض حديثه عن ضرورة مراعاة التناسب في طول أقسام القصيدة من نسيب وغيره، من مقدمته الرائعة لكتابه الشعر والشعراء. قال: «فالشاعر المجيد من سلك هذه الأساليب وعدل بين هذه الأقسام فلم يجعل واحدًا منها أغلب على الشعر، ولم يطل فيمل السامعين، ولم يقطع وبالنفوس ظمأ إلى المزيد. فقد كان بعض الرجاز أتى نصر بن سيار، وإلى خراسان لبني أمية، فمدحه بقصيدة، تشبيبها مائة بيت، ومديحها عشرة أبيات فقال نصر: «والله ما أبقيت كلمة عذبة ولا معنى لطيفًا إلا وقد شغلته عن مديحي بتشبيبك، فإن أردت مديحي فاقتصد في النسيب، فأتاه فأنشده:


(١) وهي نونيته بان الخليط ولو طوعت ما بانا- ديوانه ٥٩٣.
(٢) عزفت بأعشاش وما كدت تعزف» - ديوانه ٥٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>