وهو كأنه نفار مدعي، والخصم، كما ترى، فيه امرأة، لا قرنٌ ألد. ثم خلص من هذا النفار المدعي إلى ذكرى الماضي التي تصحب نموذج الملاحاة فجعلها وسيلة إلى الفخر بما اكتمل عنده من أداة السراوة والفروسية والفحولة كما رأيت وكأنه بهذا الفخر قد هيأ لنفسه أن ترضى عنه الفاتنة التي سيصفها من بعد- (وخولة التي في المطلع رمز لها أو كناية عنها) ثم تؤثره على غيره فيكون لها بعلاً. فالفخر كما ترى له من مكان التذمير وإثارة النشوة في نفس الشاعر حتى يصدح بعشقه ومعاني ما استحسنه من جمال هذه الفاتنة، كما للنسيب وحديث رابعة في قصيدة سويد. وهذا تأويل قولنا آنفًا إن المرار قد عمد إلى شيء من عكسٍ لمذهب سويد.
والفخر بمشهد من النساء أو إزاء النساء بأرب منالة الرضا عندهن ثم التغني من محاسنهن معروف في مذاهب البداوة العربية وقد أشرنا إلى نحو منه بمعرض حديثنا عن الظعائن والغيرة. وقول عنترة بن شداد:
هلا سألت الخيل يا بنة مالكٍ ... إن كنت جاهلةً بما لم تعلمي
ونحوه، مما يشهد به.
ولبدو البقارة عندنا، من سليم وبني جرار ومن حولهم، مذهب يسمى «انتبر» أي الفخر مع التغني، كأنه بقية بقيت من هذا الذي نذكره من مذاهب البداوة العربية القديمة. يقف أحدهم أمام مجمع النساء في الأعراس وما بمجراها من الأفراح «فيتنبر» أي يتغنى ويفتخر، ثم يكون هذا منه ذريعة يتذرع بها إلى الغزل، يذكر اسم من يهواها أو يرومها أن تهواه، أو قل اسمًا يكنى به عن اسمها. من أمثلة ذلك قول أحدهم (١).
(١) أنشدت هذه القطع بأبي ركبة وهي مسجلة بأصوات منشدها ومن حوله. الحربة هايلة أي يهول منظرها. الدبوقة: شعر صاحبته. أي شعرها تتمايل ذوائبه الطوال. لابسين إلخ أي نحن لابسون أخلاق الثياب للموت أو الدروع للموت وعليها الدم، زينب: اسم صاحبته يريد أن يرضى عنه. الكوراك: الصياح من أجل الفزع والقتال. ضرب- علا: قايله: أي نصف النهار.